دخل "حزب التوحيد العربي" بثقله في الأزمة السورية، حيث نعى أخيراً أربعة من أنصاره سقطوا في معارك في جبل الشيخ. ويأتي ذلك غداة مرافقة رئيس الحزب، الوزير السابق وئام وهّاب، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز في سوريا، يوسف جربوع، في زيارة إلى دار الإفتاء حيث إلتقيا معاً مفتي الجمهورية العربيّة السورية، الدكتور أحمد بدر الدين حسّون، المعروف بتأييده للقيادة السورية الحالية. وتأتي خطوة وهاب الذي يزور السويداء وغيرها بشكل دوري، بعد مرور أشهر على الموقف المشهور لرئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي"، النائب وليد جنبلاط، والذي بَلَغ في أيّار الماضي حد "تحليل دم" من يقف من دروز سوريا إلى جانب النظام. فهل دروز سوريا مع النظام أم ضدّه؟ وإلى أيّ درجة يتأثّرون بمواقف دروز لبنان؟
منذ بداية الأزمة السورية في منتصف آذار 2011، حاول النظام السوري إستمالة أبناء طائفة الموحّدين الدروز إلى جانبه، إنطلاقاً من الصورة المثالية التي يحاول تعميمها على الأطراف كافة، والمتمثّلة بضرورة تحالف الأقليّات في المنطقة، لمواجهة الخطر المحدق بها من جانب الجماعات الإسلامية السنّية المتشدّدة. وفي الوقت الذي فضّل دروز سوريا (نحو 700,000 نسمة)، والذين هم الأكثر عدداً بين مختلف التجمّعات الدرزية في المنطقة، بما فيها لبنان، إلتزام الصمت إزاء الكثير من المحطات الحاسمة، والتصرّف إنطلاقاً من قاعدة Low Profile، حاولت شخصيات درزية من لبنان وحتى في الأراضي الفلسطينيّة، حثّهم في هذا الإتجاه أو ذلك.
وبحسب المعلومات الواردة من سوريا، فإنّه ومنذ اندلاع الأزمة قبل سنتين ونصف السنة، سُجّل إنشقاق مئات من الجنود الدروز عن الجيش السوري، ورفض آلاف الشبّان الدروز الإلتحاق بمراكزهم في إطار خدمة العلم الإلزامية. لكن في المقابل، بقي القسم الأكبر من الدروز في الجيش السوري النظامي. كما انضمّ عددٌ من أبناء السويداء إلى ما يُطلق عليه إسم "جيش الدفاع الوطني" وكذلك إلى "اللجان الشعبية"، وهما فصيلان تابعان للنظام، لكنّهما يتشكّلان من عناصر ميليشياوية توفّر الدعم الميداني للجيش النظامي في مواقع جغرافية محدّدة، خصوصًا ضد "الإسلاميّين المتطرّفين".
لكن، وعلى الرغم من الزيارات المتكرّرة لشخصيّات حزبيّة لبنانية، وفي طليعتها وهّاب، ولشخصيات رمزية درزية، مثل الأسير المحرّر سمير القنطار، إلى السويداء، فإنّ أغلبيّة أبناء هذه المحافظة رفضوا القتال في مناطق بعيدة عن القرى والبلدات الدرزية، خصوصًا في محافظة درعا المجاورة، وأصرّوا على أنّ دورهم ينحصر في حماية "مناطقهم" في حال تعرّضها للهجمات. ومن المفيد التذكير أنّه عُقِدَ في عمّان في الأردن خلال الشهر الماضي، إجتماعٌ ضمّ 28 شخصيّة سنّية من محافظة درعا، و22 شخصيّة درزيّة من محافظة السويداء، هاجم المجتمعون في ختامها نظام الرئيس الأسد، وأكّدوا رفض ما وصفوه بمحاولة النظام إيقاع الفتنة بين السنّة والدروز في سوريا. تذكير أيضاً بأنّ عشرات الشخصيات المحلّية السورية الدرزية تنضوي تحت إسم "تجمّع أحرار سوريا"، الناشط إعلامياً، والذي يؤكّد وقوفه إلى جانب "الثورة السورية"، ولو من دون التورّط بالقتال ضد النظام بشكل مباشر.
وفي ظلّ الإنقسام الدرزي في لبنان وسوريا، إزاء الموقف الواجب إتخاذه مواكبة للتطوّرات في سوريا، كان لافتاً إعلان الرئيس الروحي للطائفة العربية الدرزيّة في إسرائيل، الشيخ موفّق طريف، إستعداد مئات الدروز لمغادرة إسرائيل والدخول إلى الأراضي السورية لمحاربة "جبهة النصرة".
ويمكن القول، في الختام، إنّ أغلبيّة أبناء الطائفة الدرزيّة في سوريا إختاروا لعب دور الحياد الفعلي، وعدم التدخّل في القتال لا ضدّ النظام ولا إلى جانبه، على الرغم من كل الإغراءات والضغوط التي تمارس عليهم من جهاتٍ داخلية وخارجيّة عدّة. وباستثناء الإنحياز الفردي ومن قبل بعض الجماعات المحدودة العدد، لهذا الفريق أو ذاك، فإنّ الأغلبية الكبرى من دروز سوريا تفضّل الإكتفاء بدور حماية بلداتها وقراها، من أيّ تعرّض خارجي لها، في تكرار للسيناريو الذي سبقهم أكراد سوريا إليه. وبالنسبة إلى التأثّر بدروز الخارج، لا سيّما بالقيادات الدرزيّة اللبنانية، فهو محدود، وينحصر ببعض الجماعات الصغيرة التي تستفيد من دعم بالسلاح وبالمال، أو بدعم سياسي لجهة توفير الحماية والملجأ خارج سوريا.