قبل أسبوع، عقدت لجنة إنهاء الخلافات في دار الفتوى أول اجتماعاتها، بإشراف المفتي محمد رشيد قباني. في العلن، توافق المجتمعون على زيارة المرجعيات المعنية بالأزمة للتشاور، من بيروت حتى صيدا. خلف الأبواب المغلقة، وافقت على مد اليد لسعد الحريري وإطلاق اليد السعودية لصنع التسوية شرط استبعاد فؤاد السنيورة عن المفاوضات
تسود قناعة بين بعض المعنيين بأزمة دار الفتوى بأن تكليف وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف آل سعود الإشراف على الملف السوري، دشن الطريق إلى تسوية الخلاف بين مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني وتيار المستقبل. نجل المفتي، راغب، ومدير العلاقات العامة في الدار الشيخ شادي المصري، يملكان مشاريع اقتصادية في المملكة «فتحت لهما قناة تواصل مع الوزير» تقول مصادر مواكبة.
ولأن راغب «هو العقل المدبر في سياسات الدار وتوجهاتها، صارت للأمير مونة على آل قباني لقبول المصالحة مع آل الحريري». ولمّحت المصادر إلى أن لجنة إنهاء الخلافات التي تألفت نهاية شباط الماضي، وانبثقت من المجلس الشرعي الأعلى الذي يرأسه قباني، «من بنات أفكار محمد بن نايف». اللجنة التي يرأسها نائب رئيس المجلس ماهر مصقال (المقرب من راغب والمصري)، أعطيت الضوء الأخضر لمباشرة عملها فور نيل حكومة الرئيس تمام سلام الثقة. قبل أسبوع، عقدت أول اجتماعاتها وقررت إطلاق مروحة من الجولات التشاورية على المرجعيات، منهم الرؤساء الثلاثة ورؤساء الحكومات السابقون، لبحث سبل حل الأزمة التي وقعت بعد انشقاق المجلس الشرعي الأعلى المنتهية ولايته برئاسة عمر مسقاوي، وتدخل بعض رؤساء الحكومات السابقين، ولا سيما الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، لمصلحته ضد قباني. ويتوقع من الزيارات التي ستبدأ من عند سلام، أن «تظهر إيجابية قباني العالية لتذليل العقبات وإجراء المصالحة مع تيار المستقبل، ولمّ شمل الدار، شرط استبعاد الرئيس فؤاد السنيورة عن مفاوضات الصلح» بحسب المصادر. ولأن الرئيس سعد الحريري يملك رغبة الصلح ذاتها، فقد «استجاب لطلب قباني واستبدل السنيورة بمدير مكتبه نادر الحريري، الذي بات يتولى الإشراف على الملف من قبل المستقبل».
لاعبون كثر يحاولون حجز أماكن لهم خلال الأشهر الفاصلة عن أيلول. عند تسمية سلام لرئاسة الحكومة، توقع كثيرون أن يضع على سلم أولوياته معالجة أزمة الدار، لكي يسجل عهده هذا الإنجاز، لكن بأدوية بيروتية. يسعى البيروتي الذي يحاول استعادة زعامته إلى أن يبقى كرسي الإفتاء بيروتيا كما كان طوال العقود الماضية، لكنه لا يملك رصيداً من العمائم لكي يفاوض ويساوم.
في المقابل، تؤكد أوساط قباني أنه لا يندم على إعلانه صراحة أنه لن يبقى في الدار بعد 14 أيلول المقبل، موعد انتهاء ولايته وبلوغه سن التقاعد (72 عاماً). ينقلون عنه شعوره بالتعب والضغط الذي تراكم فوق كاهله منذ توليه أعمال الدار عقب اغتيال المفتي حسن خالد عام 1989. يترقب الرجل موعد الرحيل أكثر من غيره. مع ذلك، لا يتوانى عن السعي إلى انتخاب خلف محسوب عليه. قبل عشرة أيام، قدم مدير الأوقاف الشيخ هشام خليفة استقالته واعتكف في منزله. والسبب المعلن، خلاف وقع بينه وبين قباني على شؤون إدارية، لكن المصادر أكدت أن الاستقالة «مسرحية من إخراج خليفة وقباني معاً»، كاشفة عن قرب عودة خليفة إلى موقعه، لكن بالتعاقد وليس مثبتاً كما كان، الأمر الذي يسمح له بالاستقالة عند فتح باب الترشح لانتخاب مفت جديد. ويعدّ خليفة حالياً أحد المرشحين البيروتيين القليلين لخلافة قباني. وهو ليس مقرباً من الأخير فحسب، بل من الإمارات أيضاً التي أقام وعمل فيها لسنوات. أسهم خليفة تأتي بعد أسهم قباني نفسه، التي لا تزال الأعلى. مقربون منه، يتوقعون موافقته على التمديد له إذا توافق الأفرقاء السياسيون عليه «حرصاً على المصلحة العامة لعدم وجود البديل المناسب».
نيات المصالحة لم تبدّد الضباب حول دار الإفتاء. الضبابية تمتد إلى إفتاء صيدا، النسخة الأعنف لخلاف قباني والمستقبل. بعد أقل من شهرين، يبلغ المفتي سليم سوسان عامه السبعين، الذي يمنع، بحسب النظام الداخلي للإفتاء، ترشيحه مجدداً أو التمديد له. الأفرقاء الصيداويون يسابقون الزمن للاتفاق على خلف له، وفيما يشرف نادر الحريري على جبهة بيروت، تحاول والدته النائبة بهية الحريري استعادة جبهة صيدا. عينت رئيس بلدية المدينة محمد السعودي مبعوثها الخاص لزيارة المرجعيات المعنية. ليل أول من أمس، زار السعودي إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، ناقلاً «لاءات» سيدة مجدليون «غير المتمسكة ببقاء سوسان في منصبه»، وهي: لا لتثبيت الشيخ أحمد نصار، الذي عينه قباني خلفاً لسوسان، أو الشيخ نزيه النقوزي المعين بشؤون الأوقاف. لا لتسمية مرشح من الجماعة الإسلامية. في الوقت ذاته، تصل من مجدليون تسريبات عن مرشحين مقربين من المستقبل، لكنهم غير مقبولين في المحيط بسبب مواقفهم المتشددة.
في حديث لـ «الأخبار»، تمنى حمود التوصل إلى اتفاق صيداوي قبل تقاعد سوسان، لكنه انتقد أداء المستقبل في التعاطي مع قباني وإفتاء صيدا، واصفاً إياه بـ «الكيدي والسياسي والفئوي»، وفيما يجد نصار مؤهلاً لتولي المنصب، استغرب استبعاد الحريري له بسبب خصومات شخصية معه، برغم أنه قريبها. يقر حمود بأزمة توافر العلماء السنة ليس في صيدا وبيروت فحسب. «المرشحون المؤهلون فقهياً إما لا يقبلون تولي المنصب، أو يرفضهم الأفرقاء السياسيون بسبب توجهاتهم السياسية ومواقفهم» يقول. أزمة لا تنحصر أسبابها في «الفتنة السنية ــــ الشيعية التي أنتجت مجموعة من رجال الدين غير المؤهلين لتولي مناصب عامة». تلك الأزمة، قد تمدد ولاية جديدة لسوسان في صيدا، ولقباني في بيروت.
رحلة البحث عن خلف سوسان: سعد بضيافة الجماعة
باكراً، دشن كل من التنظيم الشعبي الناصري والجماعة الإسلامية في صيدا الحراك السياسي الذي تنتجه رحلة البحث عن مفت بديل للشيخ سليم سوسان، الذي تنتهي ولايته في أيار المقبل. خريطة التحالفات والخصومات قد تتبدل، ولو على نحو مؤقت، في الأسابيع المقبلة. استئثار النائبة بهية الحريري بالمنصب المحسوب على تيار المستقبل منذ سنوات، أنتج تقارباً بين الأفرقاء. لم تضمر رفضها انتخاب شيخ من الجماعة، ما أثار نقمة الحليف الأقرب. أمس، زار وفد من التنظيم برئاسة رئيسه أسامة سعد مقر الجماعة، التي زارته أكثر من مرة في الأشهر الماضية، وشاركته في مسيرة الوفاء لوالده الشهيد معروف سعد. سعد أعلن أن القيادتين بحثتا في شؤون صيداوية ولبنانية وعربية، «واتفقنا على أهمية التنوع في المدينة سياسياً ودينياً». أما المسؤول السياسي للجماعة في صيدا والجماعة بسام حمود، فقد وضع اللقاء ضمن الموقف الصيداوي الموحد لتأمين امن صيدا واستقرارها.