الاستعانة بالقرار الدولي 1701 لمعالجة أزمة لبنان الأمنية أمر يتعارض مع بنود القرار، ويتجاوز نطاقه… «القرار» ليس وجهة نظر، وبنوده غير خاضعة للاجتهاد. ولذلك ينبغي للذين يحاولون التوسّع في صلاحيّات «اليونيفيل»، أن يعاودوا قراءة البنود بدقّة، كي لا يتهموا بالجهل.
إن دعوة القوات الدوليّة، المنتشرة في جنوب لبنان، إلى بسط مهماتها، لتشمل كامل الحدود اللبنانيّة السوريّة، تعني إقحام تلك القوات بعمليات حربيّة، شهدنا في عرسال أحد نماذجها!
الدعوة ليست مغرية بالمرّة، وليست جائزة، وهي غير مرّحب بها، لدى مجلس الأمن، ولذلك فلن تلبّى اليوم، ولا في أي مدى زمني منظور.
القرار 1701 يختصّ بدور القوات الدوليّة في ضمان وقف العمليّات القتاليّة بين العدوّ والمقاومة الوطنيّة، التي تشاركت دائماً وبخاصّة في حرب تموز 2006، خنادق الدفاع عن الوطن، مع المؤسسات الأمنيّة، وفي طليعتها الجيش اللبناني.
المجتمع الدولي، كان يبدو، حتى الأمس القريب، منشغلاً بتنفيذ مؤامرته الهادفة إلى إعادة تشكيل دول المنطقة على حساب سيادتها الوطنية عبر تقزيمها، وتقسيمها جغرافيّاً، وعلى أسس طائفيّة ومذهبيّة، وإثنية!! ليس معروفاً بعد، إذا كانت دول كثيرة في هذا العالم، قد أدركت هول ما ارتكبته.
الكوّة الصغيرة، التي أحدثها الرئيس أوباما، في جدار الإرهاب الذي يجتاح العراق، هو نفسه يمزّق سورية، ولكن يبدو أن الإدارة الأميركية، لا تلتفت إلى ما ترتكبه «داعش» وأخواتها، ومشتقاتها، في أرض الدولة الشقيقة، والصديقة، وما يتهدد لبنان.
عصابات التكفير والإرهاب، اقتحمت بلدة عرسال، بمنتهى الوحشيّة، فاعتدت على جيش الوطن وقواه الأمنية، وخلّفت المآسي والفواجع، وزهقت أرواح الشهداء الغالين جداً، ضباطاً وجنوداً، وحصدت عشرات من المدنيين الأبرياء.
ثمّة حسرة عميقة على هؤلاء جميعاً، وندوب لا تمحّي وآلام لا تنقضي… وثمة همّ مقيم طالما بقي العسكريون اللبنانيون، رهائن مخطوفين، لدى إرهاب متعدد الألوية والهويّات والأسماء… وثمة سؤال مقلق كبير حول الأسباب الحقيقيّة التي يسّرت للعصابات خروجاً آمناً من عرسال، وهذا السؤال مطروح على الذين يعنيهم الأمر، أي على السلطة المسؤولة عن هذه المذلّة، أيّاً تكن صفة تلك السلطة، ومهما علا مقامها.
الخطر الذي يتهدد حياة الرهائن، لا يعالج بالتفاوض مع الإرهاب… ربما لا يعالج بالتفاوض وحده!! هنالك «مهابة» مفقودة، يجب أن تستعاد للمؤسسة العسكرية أولاً، ثم للسلطة السياسيّة بعدها!! ولا ينوب أحد عن هاتين السلطتين، ولا تفوّض أي جهة، ولا أي هيئة أيّاً تكن طبيعة ميولها بمسؤوليات وصلاحيات، تعود أصلاً، وبالكامل، للدولة اللبنانيّة وحدها، ممثلة بسلطاتها الدستوريّة، ومؤسساتها، فقط لا غير…
سمع اللبنانيون كلاماً هجيناً تلاقى على قوله بعض المسؤولين، كباراً أو أقلّ من كبار، وانزلقت إليه، بكل أسف، قيادة عسكريّة ذات عصمة، وقد كان عليها أن تحافظ على مهابتها، فلا تجاري الذين يوجّهون إليها الإهانات.
مؤدى الكلام أنه لو هاجم الجيش عرسال، لدخل لبنان في حرب «مذهبيّة» خطيرة !! أجل هكذا بالحرف، على رغم حجم «الجنون» في ما قيل أو حجم «الجهالة» لا فرق!
الطريف في هذه «المأساة» أنّ بعضاً من الذين اعتبروا دخول الجيش إلى عرسال، معبراً إلى حرب مذهبيّة خطيرة، كانوا يعيبون على مقامات وشخصيّات، ومناطق طاولها الإرهاب، اتّخاذها الحدّ الأدنى من وسائل الحماية، فيما أولئك محصنون داخل حصون وقلاع، أو وراء جدران عالية من الحجارة والاسمنت!
عرسال «بلدة لبنانية»… تلك هي هويّتها الوطنية… أنها كسائر البلدات، والمدن، والقرى، تنتمي إلى هذه الهويّة، فلماذا يصرّ المجانين والحمقى، على اعتبارها مذهباً وطائفة؟! بل لماذا يصرّون ضمناً وصراحة، على اعتبار المؤسسة العسكرية التي تضمّ لبنان بجميع أبنائه، وبمعزل عن المكان الذي يصلّون فيه، «مذهباً» مجرّد مذهب، فيما الجيش مكوّن من جميع الطوائف، والمذاهب، على المستوى القيادي، وعلى مستوى العناصر، وما بينهما.
هل انحدرت بنا الغرائز، والعصبيات، والمصالح، والمنافع، والعمالة للخارج، والسياسات، وأوامر العمليات، وإغراءات «المكرمات» إلى هذا الدرك من الجهل، والحقد والإسفاف؟! يبدو أن الجواب هو «نعم» بكل أسف، وبئس المصير!