تواصلت مريم (وهو اسم مستعار) مع عدد من الجمعيات التي تُعنى بمساعدة الفقراء والمحتاجين، لتحاول مساعدة عائلات تقصدها طلبا للعون، فطبيعة عمل مريم تجعلها مقصدًا لهؤلاء الفقراء الذين يطلبون منها سنويًا مساعدات مدرسية لاطفالهم، إلا أنّها هذا العام فشلت بتأمين المساعدات، واصطدمت بواقع بشع، فالمساعدات للبنانيين غير موجودة لدى أغلب الجمعيات لأنّ الاموال متوافرة حصرًا للسوريين والعراقيين.
المساعدات للسوريين والعراقيين حصرا
هذا الواقع المرير يعبر عنه بوضوح قول أحد مسؤولي الجمعيات الاجنبية في اجتماع جمعه بنظرائه اللبنانيين: "لبنان ليس أولوية لدينا اليوم ونحن إن قدّمنا له المساعدات فهي لأجل النازحين فيه". ومن هنا، فإنّ برامج المساعدات المقدّمة من الأجانب هي للأجانب حصرًا، وهي لا تمر عبر الدولة بل عبر الجمعيات الاهلية، وذلك يعود بحسب مصدر مسؤول "لانعدام ثقة الحكومات والجمعيات الاجنبية بالدولة". ويضيف المصدر في حديث لـ"النشرة": "كل أموال المساعدات الخارجية التي يفترض بها أن تمرّ عبر الدولة وتحديدًا وزارة الشؤون الاجتماعية، تمرّ عبر الجمعيات في تغييبٍ تام للدولة التي فقدت ثقة الدول الاجنبية بسبب عمليات الهدر والسرقة فيها والتي كان آخرها عمليات السرقة من صندوق الهيئة العليا للاغاثة"، ويشير إلى أنّ هذا الواقع جعل الدولة ضعيفة وغير قادرة على طلب الاموال لمساعدة اللبنانيين الذين هم المجتمع الحاضن للنازحين الاجانب وهم الاولى بالمساعدة.
"مستحيل أن نستطيع مساعدة لبنانيين بهذه الظروف التي نمرّ بها والمساعدات التي لديها هي كلها من أجل النازحين السوريين والعراقيين، ولا نعلم اي جمعية تساعد اللبنانيين في هذه الاوقات". هكذا كان جواب احدى البعثات في لبنان لدى سؤالها عن امكانية تقديمها مساعدة لأم وأب يعملان بمعاشين لا يطرقان مجتمعين عتبة المليون ليرة شهريًا، ويحلمان بتعليم ولدهما في مدرسة رسمية. وكما جواب هذه البعثة، كان جواب غيرها من الجمعيات دون أن ندخل في الاسماء لأن المشكلة ليست في هذه الجمعيات بل بالدولة اللبنانية والدول التي تقدم الاموال حصرا للنازحين في لبنان. فكاريتاس مثلا تحاول تقديم ما يمكنها من مساعدات للبنانيين، وهي فرضت بحسب مدير البرامج فيها اندريه كويك، شرطا لقبولها تنفيذ برامج مساعدات اجنبية بأن تكون 30 بالمئة من قيمة المساعدات مخصصة لمساعدة لبنانيين.
ويضيف كويك في حديث لـ"النشرة": "لا خيار امامنا سوى قبول تنفيذ البرامج الاجنبية المخصصة للنازحين فإن لم نقبل بها ستنفذها جمعيات اخرى وهذا يعني أنّ حوالي 300 موظف لبناني يعملون في تنفيذ برامج المساعدات بكاريتاس سيصبحون بلا عمل". ويقول كويك: "ساعدنا العام الماضي عبر كاريتاس ايطاليا 300 طفل لبناني عبر تسجيلهم في مدارس رسمية شبه مجانية، كما ساهمنا بترميم عدد من المدارس أيضًا عبر مساعدة من الحكومة الايطالية، وسنحاول هذا العام فعل الامر نفسه"، ويلفت النظر إلى أنّ "كاريتاس" تحاول مساعدة اللبنانيين الذين يقصدون مكاتبها اسبوعيا عبر المساعدات التي تجمع من التبرعات الا ان الاموال غير كافية والطلب يزداد بشكل رهيب. ويؤكد أنّ الجمعيات لا يمكنها فرض تقديم مساعدات للبنانيين لأنّ "من يعطي الاموال هو من يحدد كيفية صرفها". وفي هذا السياق يذكر المصدر المسؤول بعدد المرات التي طلبت فيها الدولة اللبنانية من المجتمع الدولي تقديم المساعدات للمجتمع اللبناني الحاضن للنازحين، مشيرا إلى أنّ كلّ تلك الطلبات باءت بالفشل وهذا ما جعل وزير الشؤون الاجتماعية السابق وائل ابو فاعور يتهم الدول الاجنبية بخذلان لبنان بملف النازحين.
الطالب اللبناني الفقير.. وحيدا
أما في ما يتعلق بمساعدة الطلاب اللبنانيين على التسجيل في المدارس، فالأمر لا يختلف كثيرًا، فبرامج المساعدات لهم هي مسؤولية الدولة الغائبة، والجمعيات غير قادرة على تلبية حاجاتهم، ولكن إذا اتصل الامر بمساعدة الطلاب الاجانب فالأبواب مشرعة والاموال مؤمنة والمدارس جاهزة وبالاخص المدارس الخاصة التي تقدم مساعدات خاصة لهم. فمدارس الليسه مثلا جعلت الأولوية للطلاب السوريين الذين كانوا يتعلمون في احدى مدارسها في سوريا، ومن ثم للطلاب الذين يحملون جواز سفر أجنبي، ومن بعدهم يصل الدور للطالب اللبناني الذي يريد أن يتعلم في مدرسة الليسه، أي أنّ الامر هنا هو التالي: ان كنت لبنانيًا وتملك الاموال وتريد أن تتعلم في مدرسة الليسه الموجودة على الاراضي اللبنانية فعليك انتظار دورك الذي قد لا يأتي. أما بالنسبة للمدارس الرسمية فإن الطالب الاجنبي النازح يدخل المدرسة "بلا ما يتعرف على شي" حسب مصدر مطلع، في حين لا يجد الطالب اللبناني من يساعده ومن يظن ان الجميع بإمكانهم تسجيل اولادهم في المدارس الرسمية يكون على خطأ فالفقر في لبنان وصل الى مستويات خطيرة جدا.
ومن جهته، يشير أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان الاب بطرس عازار إلى أنّ المدارس الكاثوليكية تستقبل عددًا من الطلاب السوريين والعراقيين وتقدم لهم المساعدات بقرار من الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية. اما عن مساعدة الطلاب اللبنانيين فيقول عازار في حديث لـ"النشرة": "يؤلمنا أن يكون القسط المدرسي سببًا لعدم تلقي الانسان تعليمه وهنا تأتي مسؤولية الدولة اللبنانية التي يقع عليها مساعدة الاهالي"، مطالبا بتحقيق مشروع البطاقة التربوية.
لا يمكن لأحد أن يرفض مساعدة إخوانه العرب في محنتهم، ولا يمكن للبنان البلد الطيب ان يدير ظهره لنازح سوري أو عراقي خسر بيته وعمله وجاء يبحث عن امن وحياة، ولكن أين اللبنانيون من كل هذا؟ كيف لهذا الشعب أن يساعِد ما لم يُساعَد؟ وهل يجوز اتهام من يدعو لتصحيح الامور بالعنصرية؟ إن كانت العنصرية أن نرفع الصوت عاليًا بوجه الدولة والمجتمع الدولي كي لا يموت اللبناني جوعاً في بلده وكي لا يبقى لبناني دون علم ومعرفة بسبب نقص المال، بينما ينال الضيف الاجنبي كل الاهتمام، فنعم، نحن عنصريون حتى النخاع.