لا يخفى على متابعي ملف العسكريين المخطوفين صعوبة ايجاد حلول عملية للملف، كما لا يخفى على المتابعين أيضاً عجز الحكومة اللبنانية عن اتّخاذ قرار واضح بقبول مبدأ المفاوضات أو بتسليم ادارة المفاوضات الى شخص يتمّ تعيينه رسميّاً من قبل الحكومة وبتفويض علنيّ باجماع وزاريّ. أما ما يخفى على الكثيرين الخلاف الحاصل داخل الحكومة والذي ظهر الى العلن بشكل غير فاضح خصوصاً بعد اعدام جبهة النصرة الجندي علي البزّال. فالحكومة ترزح تحت تناقضات وزرائها وخلافاتهم وما يبقيها على ما هي عليه اليوم غياب مصلحة تفكيكها من قبل كل مكوّناتها تفادياً لفراغ أكبر في الدولة لا تُعرف خواتيمه.
من يتابع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على التويتر وفي مواقفه الأسبوعية يدرك رغبة وزير الصحة ونجم الحكومة حالياً وائل أبو فاعور في استلام دفة المفاوضات مع خاطفي العسكريين. هذه الرغبة لم تحظ بموافقة الوزراء مجتمعين في الحكومة قبيل اعدام البزّال فاتّفق داخل الحكومة ومن دون اعلان ذلك على فتح عدة قنوات للتفاوض، واستلم مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم خطًّا موازيا للوزير أبو فاعور في المفاوضات الى جانب مصطفى الحجيري والموفد القطري، وسرعان ما بدت الحكومة في تعدّد خياراتها مربكة وغير قادرة على اعطاء ايجابات موحّدة للخاطفين الذين كانوا قد حصلوا على ضمانات من الوزير أبو فاعور بتحقيق معظم مطالبهم الأمر الذي نفاه اللواء ابراهيم، ما أوقعنا في المحظور وأعاد خلط الاوراق التفاوضية من جديد.
اثر اغتيال البزّال بدا وزير الصحّة غاضباً من فريق حزب الله وحلفائه في الحكومة، وكادت الأمور تصل الى حد تعطيل مجلس الوزراء وخلية الأزمة لولا تدخّل رئيس مجلس النواب نبيه بري والطلب من النائب جنبلاط تلطيف الأجواء منعاً لحصول ما يريده الخاطفون. طلب بري لاقاه تمنّ جنبلاطي بضرورة الضغط على حزب الله لتسليم دفة المفاوضات الى "أبو فاعور" الأمر الذي رفضته عين التينة طالبةً ابقاء المباحثات في الموضوع طيّ الكتمان خوفاً من التداعيات، مع اصرار على ضرورة تولي أحد الأمنيين ملف التفاوض مع الخاطفين في رسالة واضحة بضرورة دعم اللواء ابراهيم في هذا الاطار. كما أن غياب وزير المال علي حسن خليل عن اجتماعات خلية الأزمة رسالة الى الجميع بضرورة ايلاء مسؤولية التفاوض الى غير السياسيين.
أحد المطّلعين على ملف العسكريين الرهائن يرى في موقف جنبلاط من التفاوض واشادته في جبهة النصرة محاولة مكشوفة لابعاد شبح الاعدام عن الدروز المخطوفين أو تأخيره قدر المستطاع علّ تسوية محتملة بعد فترة ليست بقريبة تعيدهم سالمين، فيكون بمواقفه هذه قد أنقذ الدروز. ويجزم المصدر أن الخلاف بين الوزير أبو فاعور واللواء ابراهيم لن يتطوّر، وسيبقى محصوراً في الصالونات الخاصة منعاً للوقوع في أزمة سياسية لا تُحمد عقباها.
الخلاف اذا على المفاوضات يفرض نفسه، وخلية الأزمة باتت في أزمة حقيقية والحكومة ترفض الافراج عن الموقوفين الاسلاميين في روميه وهي حتما لن تحظى بتوقيع كل أعضائها على قرار اخراج النساء المتّهمات بدعم الارهاب والارهابيين، وبين الأمن والسياسة يقبع المخطوفون رهائن، فلا الساسة يملكون قرار استعادتهم ولا الأمنيون يملكون القدرة على ذلك.