على مدى أشهر طويلة سعت الكثير من الجهات اللبنانية، الرسمية وغير الرسمية، إلى الترويج لفكرة "الحوار" مع "جبهة النصرة"، الجناح الرسمي لتنظيم "القاعدة" في "بلاد الشام"، وكان على رأس هؤلاء رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، متجاهلين أغلب المواقف التي عبّر عنها مسؤولو الجبهة ومنظرزوها، والتي لم تكن في أي حال تصب في هذا الإتجاه، ومن كان يريد التأكد من ذلك كان عليه العودة إلى الرسالة التي توجه بها أبو مصعب السوري إلى "أهل السنة في سوريا ولبنان".
من هذا المنطلق، أصبح على هؤلاء واجب مراجعة مواقفهم اليوم بعد الإنفجار الإرهابي الذي إستهدف منطقةجبل محسن في مدينة طرابلس، يوم السبت الماضي، لا سيما بعد أن أعلنت الجبهة بشكل رسمي مسؤوليتها عن هذا التفجير، مرعاة لمشاعر أهالي الضحايا على الأقل.
وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار أن موقف أهالي جبل محسن، لا سيما قيادة "الحزب العربي الديمقراطي"، ساهم في منع حصول أي ردة فعل على الجريمة الإرهابية، لا سيما أن الإنتحاريين هم من أبناء منطقة المنكوبين، وتلفت إلى أنّ تفجير الأوضاع في عاصمة الشمال كان من الممكن أن يحصل خلال لحظات لو كان هذا الموقف بعيدًا عن العقلانية.
وتكشف هذه المصادر لـ"النشرة" عن إتصالات كثيفة حصلت سريعاً من أجل تدارك الأوضاع ومنع حصول أي تطور غير محسوب، لا سيما أن الجميع يدرك أن هدف الجماعات الإرهابية بث الفوضى في المجتمعات، من أجل الحصول على أرضية تسمح لها بالعمل بكل حرية، وتعتبر أن الوعي الذي تم التعامل به مع هذه الحادثة المؤسفة ينبغي البناء عليه من أجل العمل على إجراء مصالحة شاملة في المدينة، خصوصاً أنّ تداعيات جولات العنف السابقة التي كانت تحصل على المحاور التقليدية لم تُمحَ بشكلٍ كامل.
من ناحيةٍ أخرى، ترى هذه المصادر أنّ الحوار القائم بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" ساهم أيضاً في التخفيف من التداعيات السلبية، حيث لم يظهر أيّ موقف يعوّل عليه يصب في الإتجاه التحريضي، لا بل صدرت مواقف مهمة، كان أبرزها ذلك الذي صدر عن مسؤول الإعلام في "العربي الديمقراطي" عبد اللطيف صالح، خلال تفقد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موقع الإنفجار، حيث شدد على أن أهالي المنكوبين وجبل محسن واحد.
على صعيد متصل، تشدد مصادر مطلعة، في حديث لـ"النشرة"، على أن هذه الجريمة يفترض أن تشكل نقطة تحول في طريقة تعامل الحكومة اللبنانية مع الجماعات الإرهابية، خصوصاً أن هناك من لا يزال ضمن أعضائها ينادي بـ"الحوار" معها، في حين هو يرفض في المقابل أي تنسيق مع الحكومة السورية، بالرغم من المعاهدات الكثيرة التي تربط بين البلدين، لا سيما أن هناك مصلحة لبنانية بهذا الأمر، على الصعيد الأمني أولاً وفي الشق المتعلق بأزمة النازحين ثانياً.
وتشير هذه المصادر إلى أن الإستمرار في تجاهل الواقع الصعب، الذي تمر فيه البلاد، يعني غياب أي إرادة جدية في المعالجة، وهذا يعني أن لبنان سيكون على موعد مع العديد من الأحداث الإرهابية في المستقبل، حيث لا يكفي الجلوس على طاولة حوار واحدة من دون الذهاب نحو أخذ بعض الخطوات العملية، لا سيما بعد أن أصبح هذا الخطر عالميًا يضرب أكبر القوى العظمى أمنياً وعسكرياً.
وعلى الرغم من إعلان كل من "النصرة" وتنظيم "داعش" مسؤوليتهما عن العملية، وذهاب وزير الداخلية والبلديات إلى الإعلان أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الإنتحاريين ينتميان إلى "داعش"، تشدد هذه المصادر على أن مجرد إعلان "النصرة" عن تبنيها الجريمة، عبر حسابها الرسمي على موقع "تويتر"، يشكل رداً واضحاً على كل الأصوات التي تدعو إلى "الحوار" معها، ولا تستبعد أن تكون هي فعلاً من قام بها، لا سيما بعد أن تولى مؤيّدوها نشر صور الإنتحاريين على نطاق واسع، في ظل التداخل الذي كان حاصلاً بين التنظيمين في منطقة القلمون في وقت السابق.