في الوقت الذي كان فيه المسؤولون يعملون على كشف كافة ملابسات تفجير عرسال الأول، الذي إستهدف إجتماعاً لهيئة "علماء القلمون"، إنفجرت عبوة ناسفة بدورية للجيش اللبناني في البلدة، موقعة 5 جرحى من عناصره، في مؤشر خطير على أن هناك مسلسلاً طويلاً بدأت الحلقات الأولى منه.
من حيث المبدأ، لا يمكن بأي شكل من الأشكال الفصل بين التفجيرين، لكن من الممكن القول أن الرسالة التي يحملها الثاني هي الأخطر، كون الهدف منه إبعاد المؤسسة العسكرية عن مسرح العمليات، الذي تحول ساحة تصفية حسابات بين كل من جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابيين، أو إدخالها في حرب إستنزاف مع كافة الفصائل والكتائب المسلحة المتواجدة في البلدة وجرودها.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الإتهامات التي وجهت إلى الجيش بعد التفجير الثاني كانت لافتة، لا سيما بالنسبة إلى الحديث عن إستهداف مخيمات النازحين السوريين في البلدة، وتعتبر أن الهدف منها حرف الأنظار عن المشكلة الأساس المتمثلة بالصراع القائم بين المسلحين على النفوذ، وهو ما كان واضحاً من خلال إستهداف هيئة "علماء القلمون"، نتيجة خلافاتها المتعددة مع قيادة "داعش"، وتوضح أن حسابات تابعة لقوى المعارضة السورية في منطقة القلمون كانت وراء هذه الحملة التي لم تتوقف.
وفي حين تجدد هذه المصادر التأكيد بأن "داعش" هو المسؤول عن التفجير الأول، نتيجة المعطيات المتوفرة لديها، تستغرب الإصرار على زج "حزب الله" في هذه المسألة، لا سيما بعد التهديدات التي وجهتها "النصرة" باستهداف "عملاء" الحزب في عرسال، وترى أن هذا الأمر هو بمثابة هروب إلى الأمام، بسبب عجزها عن وضع حد لخلايا "داعش" الأمنية التي تنفذ كل عملياتها في البلدة بكل حرية، وتشدد على أن لا مصلحة للحزب في تفجير الأوضاع على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة، خصوصاً أنه حقق أغلب أهداف معركة القلمون التي خاضها إلى جانب الجيش السوري في الأشهر الماضية.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الهدف الأساس من تفجير الأوضاع في البلدة اللبنانية، هو الوصول إلى الفوضى، التي يستفيد منها "داعش" في نهاية المطاف في مشروع فرض سيطرته عليها، وتلفت إلى أن هذه الإستراتيجية إعتمدها التنظيم الإرهابي في أكثر من مكان، حيث يعمل في البداية على نشر الفوضى، كمقدّمة للظهور لاحقاً بكل قوته العسكرية، وتوضح أنه في المرحلة الراهنة يعتمد في عمله على الخلايا الأمنية التي تنفذ أعمالاً محددة، من زرع العبوات الناسفة وإغتيال بعض الشخصيات المؤثرة التي قد تقف بوجهه.
إنطلاقاً مما تتقدم، تشدد المصادر المطلعة على خطورة الأوضاع داخل عرسال، وتستغرب الصمت اللبناني الرسمي عن كل ما يحصل حتى الآن، في حين أن المطلوب مسارعة مختلف الأجهزة الرسمية، الأمنية والسياسية منها، إلى إعلان حال الطوارىء للتصدي لهذا الخطر الوجودي، الذي يهدد حياة عشرات الآلاف من المواطنين والنازحين، وتسأل: "هل المطلوب تكرار سيناريو المعركة الأولى قبل نحو عام للتحرك؟"، لكنها تعرب عن أسفها لعدم قدرتها على تعليق الأمال على سلطة عاجزة عن إيجاد حل لأزمة النفايات المنتشرة في الطرقات منذ أكثر من 3 أشهر، وتضيف: "الجميع يعلم بأن الجولة الثانية من المعارك قادمة، لكن ماذا عن الإجراءات؟ وأين أصبحت الأسلحة الفرنسية المنصوص عنها في الهبة السعودية؟"
وعلى الرغم من قناعتها بأن ليس هناك من قوى خارجية قادرة على تغطية أي خرق من هذا النوع بشكل علني، في ظل الإصرار من قبل الجهات الدولية الفاعلة على إبعاد لبنان عن الحرب الدائرة في المنطقة، ترجح أن يكون هناك من يريد أن يوجه رسائل أمنية إلى بعض القوى اللبنانية عبر هذه الأفعال، على عكس الإتهامات التي تروج لها المعارضة السورية عن وقوف "حزب الله" وراء عمليات التفجير.
في المحصلة، ما يجري في عرسال حالياً لا يمكن أن يكون أمراً عابراً، هو مخطط طويل ومدروس، فهل تنجح الدولة في إفشاله أم أنها ستثبت نظرية التخلي عن البلدة اللبنانية التي تعيش على وقع الحرب السورية منذ أيامها الأولى؟