هذه الكلمة، هي رسالة شخصيّة، مرفوعة إليك، بصفتك رئيساً لفرنسا، الدولة التي كان كثير من اللبنانيين، يسمّونها ذات يوم، «أمّنا الحنون»! وليست هذه الكلمة، حنيناً إلى مثل ذلك اليوم…
كلّ ما في الأمر، أني كمواطن لبناني عادي، أردت تقديم تعازيّ الحارّة، إلى الشعب الفرنسي، الذي اكتشف ليل الجمعة الفائت، وحشيّة الإرهاب التكفيري، الآتي من كهوف الفكر الظلامي.
أردت أيضاً، أن ألفتكم، إلى أمور أخرى، أغلب الظنّ أنك، ومعاونيك، لم تعيروها الاهتمام الكافي لأسباب وأخطاء، سوف أحدّثكم عن بعضها، في مكان لاحق، من هذه الرسالة.
فلقد تعرّضت باريس، قبلاً، ومعها مدن وأنحاء فرنسيّة أخرى، لعمليات إرهابيّة محدودة، ولكنها بشعة، وموجعة، ودنيئة، ارتكبها واحد، أو أكثر، من حَمَلة الجنسيّة الفرنسيّة، ولكنّ هؤلاء القتلة ليسوا فرنسيين، ولا ينتمون بالهويّة إلى أي من الجنسيات الوطنية الأخرى… إنهم «إرهابيون»! فقط مجرّد إرهابيين! وقد كانت جرائمهم تلك مقدّمات، ونماذج ربما بليغة لما هو آتٍ.
أنت اليوم، حضرة الرئيس هولاند أقلّ الرؤساء الفرنسيين شعبيّة، في هذا العصر، وربما على امتداد العصور… ويصحّ هذا الحساب بينك وبين شعبك، كما قد يصحّ أيضاً، على مستوى المقارنة بينك وبين رؤساء دول العالم أجمعين! غير أنّ هذا الواقع لا أثر له على صلاحياتك، وأهمّها ما قرّرته بعد المأساة الدموية التي تعرّضت لها باريس.
يُفهم من قرارك، أنّ ما كنت تقوله ــــ ويقوله كثيرون مثلك ــــ من قتال قائم وجارٍ ضدّ الإرهاب، والتطرّف، لم يكن حرباً حقيقية، ذات استراتيجيّة مدروسة، وأهداف واضحة ومحدّدة!
بكلام آخر كنت عبر إعلانك الحرب، بعزم وحزم ضدّ «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى «تفضح» من حيث تدري أو لا تدري دور «التحالف الدولي» الذي زعم منذ نيّف وسنة ــــ وربما أكثر ــــ أنه يقاتل الإرهاب في سورية والعراق؟!
كثير من المحلّلين، على اختلاف ميولهم وأهوائهم، رأوا أنّ ما قامت به روسيا، في عمق الميدان السوري، المفتوح لجميع مجرمي وإرهابيّي العالم، يفوق بعشرات الأضعاف، ما يزعم «التحالف الدولي» ــــ الذي فرنسا منه ــــ أنه حققه على طول تلك المدة الزمنية الطويلة!
يبدو أنّ ما يقوم به «التحالف» وفي حدّه الأقصى، أشبه ما يكون «بمبارزة» متكافئة، بين طرفين لا يريد أحد منهما، أن يحسم معركته مع الآخر بل، وفي كلّ حال، يتأكد أنّ أدعياء محاربة «داعش» ومشتقاته، لا يريدون «الحسم» لأنّ للإرهاب وظيفة لديهم، والوظيفة لما تنتهِ بعد!
أما صورة فرنسا، في هذا الخضم، فتبدو «مشوّشة»، فيما الموقف حائر، أو ملتبس، بسبب تبعية فرنسا لمشيئة أطلسيّة في جانب، «وتركية» و«عربية « ــــ بكلّ أسف ــــ في جانب آخر، ومتّصل بالأول… أجل هكذا تبدو السياسة الخارجية، التي يقودها لوران فابيوس، والتي لا تخدم مصلحة فرنسا على الإطلاق، لأنها تتطابق مع «أغراض» المؤامرة التي تستهدف الدولة السوريّة.
ليس هذا ما عهدناه في تاريخ فرنسا، زعيمة التاريخ، وملهمة الثقافات، والقيم، والحضارات، وراعية الحرمات التي في طليعتها الحريات… ليس هذا ما عهدناه في فرنسا مقلع القادة العمالقة، والفلاسفة، والفنانين، والمفكرين المبدعين في شتى مجالات الإبداع، أولئك الذين أثروا بعطائهم، ونبوغهم، التراث الإنساني.
أصارحك، حضرة السيد الرئيس، بأني لا أفهم «معادلتك» التعيسة، التي تساوي في خطابك، وفي «قتالك» أيضاً بين دولة كسورية، وتنظيم إرهابي، إذ تقول إنك تستهدف الاثنين معاً… أوَليس أنّ ذلك يعني أنك تعادي دولة ذات سيادة، وترأف بالإرهاب الذي ضرب بلادك، بذريعة الانحياز لمصلحة جهة تسميّها «معتدلة» لا نعرف لها وجهاً ونجهل أسماءها، وعناوينها ونرجو مخلصين أن تدلّنا عليها، فإذا استجبت وحاولت، فسوف تلقى من الحرج، ما لم تختبر مثله بعد…
لعلّك أدركت أخيراً أنّ الإرهاب الذي أحسنت بإعلانك الحرب عليه، لا دين له ولكنه بذريعة الدين، يعتبر أديان العالم والسماء، جميعاً عدوّة له، فيستبيح حرماتها، ومقدّساتها، ويهدم الكنائس والجوامع، ويحزّ أعناق المؤمنين، والمصلّين، ويرفض العلم، ويدمّر الحضارات، ويمحو تراث الإنسانية بوحشيّة الوحش، وهو بذلك كله يعتدي بالحرب على الإنسانية، وعلى دول العالم كلها، أنظمة، ومؤسسات، وقيادات.
تلك هي الحرب المعلنة على باريس، وروما، وأوروبا وأميركا، على سورية ولبنان والعراق، وفلسطين، واليمن، وبكلمة: على بلدان العالم، أجمع، وكلّ القارات.
الإرهاب، حضرة الرئيس هولاند أعلن بالفكر والممارسة «حروبه» تلك، بصيغة الذبح، والاغتيال، والنسف، والتفجير، والتدمير، وهو لا يعترف بحقّ الحياة لأحد سواه، ولا معنى لديه لبراءة الأبرياء ولا للفرح، ولا للهناء، ولا للعمران، ولا للبنيان.
أتراني أحرّضك على حرب مضادّة، لهذا الإرهاب؟ هل ثمة حاجة إلى مزيد من الاقتناع، لتنخرط فرنسا، والعالم كله، في حرب، أقلّ ما يبرّرها، حقّ الدفاع عن النفس، وعن القيم، والمقدسات، وعن مجتمع الإنسان؟! لن أسمع جوابك، ولكنني بلّغت!!