ما إن ألقِيَ القبض على الإرهابيّ أحمد الأسير، وهو يحاول الهرب عبر مطار بيروت الدولي، والرئيس السابق لهيئة علماء المسملين الشيخ سالم الرافعي بعيد عن الساحة الإعلامية. الدليل الثابت على هذا البعد المقصود والمتعمد، ليس من الصعب أبداً إكتشافه. فبمجرد البحث عن الأخبار ذات الصلة بالرافعي على موقع google، لا يمكن لعيون الباحثين أن تقع على خبر يعود تاريخه الى ما بعد توقيف الأسير، كلها تصريحات ومقابلات وخطب قديمة، منها ما هو مسجل في الأشهر الأولى من العام 2015 أي قبل توقيف الأسير في 15 آب، ومنها ما يعود الى السنوات القليلة الماضية، علماً بأن الرافعي هو من مشايخ الهيئة الذين تابعوا في الآونة الأخيرة ملفات عدة أبرزها قضية الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، وقف إطلاق النار في عرسال بعد غزوة الثاني من آب 2014 للبلدة من قبل تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين، وما تلاها من مفاوضات مع خاطفي العسكريين.
من يعرف الرافعي عن بعد، إما أنه لا يلاحظ بُعده عن الساحة الإعلامية، وإما يفسر هذا الغياب بأن "إمام مسجد التقوى لا يحب الظهور الإعلامي حيث إقتطاع المواقف والمونتاج، ويفضل المنابر حيث الكلام المباشر البعيد عن التحريف". أما المقربون من الرافعي، فلديهم تكمن القصة الكاملة. فبعد أيام قليلة على توقيف الأسير واعترافه بأن الرافعي إستقبله وخالد حبلص لأيام وأيام في منزله في الكورة، وذلك خلال المرحلة التي كان فيها الأسير وحبلص متواريين عن الأنظار، أي في الأيام التي تلت معركتي أسواق طرابلس وبحنين. إعتراف الأسير هذا الذي جاء ليضاف الى إفادات حبلص الخطيرة عن الرافعي، سُرّب الى وسائل الإعلام، من دون أن يتم توقيف الرافعي، ومن دون أن يستدعى على الأقل للإستماع الى إفادته حيال ما نشر، كما حصل مع مدير المشتريات في فيلاّ النائب بهية الحريري محمد علي الشريف الذي إستمع الأمن العام الى إفادته بتهمة إيواء الأسير في منزله في الهلاليّة بعد معركة عبرا، ثم أطلق سراحه بناء على إشارة من القاضي صقر صقر بعد ساعات قليلة.
"عدم توقيف او إستدعاء الرافعي، لم يكن من باب الصدفة"، يقول المتابعون، "وبقاؤه في طرابلس ايضاً كما عدم هربه الى اي بلد آخر على طريقة داعي الإسلام الشهال، لم يكن من باب المخاطرة أو عدم أخذ الحيطة والحذر، بل نتيجة إتفاق سياسي أمني أبرم مع الفريق السياسي والديني الذي يغطّيه، وعلى رأسه رئيس حكومة سابق ووزير سيادي حالي". إتفاق، يقضي بعدم أخذ أي إجراء أمني أو قضائي بحق الرافعي، مقابل غيابه عن الساحة الإعلامية ووضع حد لمواقفه النارية المقاربة للأحداث في سوريا وإنعكاساتها على الداخل اللبناني. مواقف لم يعد يسمع صداها في عاصمة الشمال، بعدما إعتاد الرافعي على إطلاقها أسبوعياً من على منبر مسجد التقوى.
مصادر طرابلسية إسلامية، تروي أنها ليست المرة الأولى التي يبرم فيها الشيخ سالم إتفاقاً مماثلاً مع السلطة بهدف عدم توقيفه، وفي هذا السياق، تُذكّر على سبيل المثال لا الحصر، كيف أن الرافعي أخفى في وقت سابق عشرات المطلوبين من طرابلس وعلى رأسهم محمود الحلاّق المتهم بجرائم قتل وتحريض ضد الجيش، كل ذلك تحت حجة حماية الشباب السلم، ومن دون أن يتعرض له ولو جهاز أمني واحد، توقيفاً أو تحقيقاً، لا بسبب ما يمكن أن يحدثه توقيفه من خضّة أمنية قد يفتعلها السلفيّون في طرابلس، بل لأن الشيخ مدعوم ومغطى أكثر من أي شيخ آخر.
إذاً لكل ما تقدم يلتزم الرافعي الصمت منذ توقيف الأسير، يرفض التعليق على أي سؤال إعلامي أو صحافي يوجّه اليه، وإذا سألت مرافقيه او المشايخ الذين يتواصلون معه ويزورونه أسبوعياً، يأتي الجواب على الشكل التالي "الشيخ سالم يلتزم الصمت في هذه الفترة، وهو في انتظار ظهور المزيد من الحقائق".