خطف تصريح وزير الخارجية القطري خالد العطية، عن الملف الرئاسي اللبناني، الأضواء من تفاهم معراب، بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، نظراً إلى أنه يُعَدّ الغطاء الإقليمي الأول لمبادرة "الحكيم"، التي تنصّ على دعم "الجنرال" في السباق إلى قصر بعبدا، الأمر الذي تحتاجه كي يُكتَب لها النجاح، بسبب إرتباط الملف المحلي بالتطورات القائمة على المستوى الإقليمي، ولكن هل يكفي موقف الدوحة وحده في هذا المجال؟
بالنسبة إلى بعض الأوساط المراقبة، هذا الموقف يكتسب أهمية إضافية نابعة من صدوره من موسكو، حيث كان البحث في الأزمة السورية هو الحدث الأبرز في المشاورات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير القطري تميم بن حمد، ما طرح علامات إستفهام عما إذا كان جعجع قد لجأ إلى الحضن القطري لتعويض الدعم السعودي، في ظل التباين في وجهات النظر مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي بادر إلى دعم رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية.
وتشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أن البعض عاد بالذاكرة إلى إتفاق الدوحة في العام 2008، حيث لعبت الدبلوماسية القطرية دوراً بارزاً في إيصال الرئيس السابق ميشال سليمان إلى الرئاسة بعد أحداث السابع من أيار، في ظل إنعدام فرص التوافق بين القوى اللبنانية على مرشح وسطي في ذلك الوقت، ملمحة إلى قنوات الإتصال التي لم تنقطع بين الدوحة والضاحية الجنوبية، والتي أثمرت في الفترة الأخيرة نجاح صفقة تبادل العسكريين المخطوفين مع جبهة "النصرة" الإرهابية، في حين قطعت فيه كل الخيوط مع السعودية، خصوصاً بعد حادثة إعدام الشيخ نمر النمر، التي نتج عنها توتر غير مسبوق في العلاقة بين طهران والرياض.
وفي الوقت الذي تشدد فيه هذه الأوساط على أن الأوضاع مختلفة عما كانت عليه في العام 2008، خصوصاً لناحية علاقات قطر مع سوريا وإيران، التي تشهد توتراً كبيراً بسبب الحرب السوريّة، تشير إلى أن الدوحة لا يمكن أن تذهب بعيداً عن المملكة العربية السعودية في موقفها، بالرغم من التباين في وجهات النظر الواضح، وتؤكد بأن تفاهم معراب-الرابية يحتاج إلى تسوية شاملة، لا يكون أي فريق خارجها، لا سيما تيار "المستقبل"، وتلفت إلى أن الفيتو السعودي لا يزال قائماً، بسبب تصنيف "الجنرال" ضمن الخانة الإيرانية، التي لا يمكن أن تقبل السعودية تسليمها أي ورقة في المرحلة الراهنة، بسبب خوضها معركة تحجيم نفوذها في البلدان العربية، الذي ترجم من خلال مواقف قيادات "المستقبل"، المتمسكة بدعم النائب فرنجية.
بالنسبة إلى الأوساط نفسها، إتفاق معراب من الممكن أن يشكل أرضية مناسبة في المستقبل، أي في لحظة جلوس الجانبين الإيراني والسعودي على طاولة مفاوضات مشتركة، لكن حتى الساعة ليس هناك من بوادر لحصول مثل هذه الخطوة، وتشير إلى أن الجهود الفرنسية لا يمكن أن تصب في أي إتجاه إيجابي، طالما أن الرياض لم تحصل على الضمانات المطلوبة، التي لا تتوقف عند التسليم بمعادلة حصولها على موقع رئاسة الحكومة، بل تشمل الإلتزام الكامل باتفاق الطائف، الذي لم يلغ "الجنرال" الهواجس السابقة في حديثه التلفزيوني الأخير، حيث كرّر المطالبة ببعض التعديلات، وتجزم بأن قانون الإنتخاب لن يكون بعيداً عن المحادثات، لا بل تعتبره الورقة الأهم بأي تسوية شاملة.
وعلى الرغم من المعطيات الجديدة التي طبعت الإستحقاق الرئاسي، الأمر الذي سيُترجم سريعاً عبر مواقف بعض القوى المحلية الفاعلة، تؤكد الأوساط نفسها أن الصمت الذي يعبر عنه "حزب الله" من مختلف المبادرات، بالرغم من تأكيده الإستمرار في دعم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، يتماهى إلى حد بعيد مع موقف تيار "المستقبل"، الذي لم يعط جواباً حاسماً على تفاهم معراب-الرابية، في مؤشر على أن أغلب الأفرقاء لا يريدون التسرع في مواقفهم، خصوصاً أن موعد جلسة الإنتخاب المقبلة لا يزال بعيداً، وتضيف: "لو كان هناك مؤشرات جدية لبادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الدعوة إلى جلسة إنتخاب سريعة، لكن "الأستاذ" لم يلمس حتى الساعة ما يستدعي العجلة، لا بل هو يعتبر أن تفاهم القطبين المسيحييين الأبرز غير كاف".
في المحصلة، لا يكفي الغطاء القطري، في الوقت الراهن، لترجمة تفاهم "الحكيم" و"الجنرال"، فالمبادرة لا تزال بحاجة إلى الدعمين الإيراني والسعودي، بالرغم من الرهانات التي تعلق على زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى الفاتيكان، بالإضافة إلى لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع نظيره الإيراني حسن روحاني.