في الطريق الى بنشعي يتمنى كل من يزور رئيس "المردة" النائب سليمان فرنجية لو كانت اقامة "البيك" في بيروت او ضواحيها. طول المسافة من العاصمة الى زغرتا ترهق السياسيين او الاعلاميين وكل من يقصد بنشعي، رغم ان اللقاء مع "المارد" سرعان ما يزيل تعب المشوار. هذا ما يقوله قاصدو زعيم "المردة". قد تكون طريق "المارد" من بنشعي الى بعبدا متعبة، لكن هل سيصل كما يصل زواره الى بنشعي في نهاية المشوار.
هو "الرئيس المواطن" كما طرح شعاره في حال وصوله، فرفع الزغرتاويون الصورة والشعار على مدخل بنشعي. استقباله وصراحته وتصرفاته العفوية تضع زوار "البيك" في مصاف اهل البيت، فيتمنى الزوار ان تطول الاقامة وتتعدد الاحاديث.
على تلك المساحة الزمنية للقاء يستحضر فرنجية كل المواضيع من دون قفازات. هكذا هو "سليمان فرنجية". يعرف اللبنانيون عنه ثبات التزاماته السياسية والاجتماعية والوطنية. خصومه وحلفاؤه يقرون بذلك، لدرجة ان بعضهم يلومه بالقول: لا يجب ان تكون صريحا او ملتزمًا لهذه الدرجة يا بيك. حين يحالف او يتعهد يذهب للنهاية، رغم انه دفع اثمانًا مكلفة لقاء ذلك. لم يتنصل من علاقته الخاصة مع الرئيس السوري بشار الاسد، لا في عام 2005 ولا بعد2011. لو فعل لربما كان حصل على مكافآت في السلطة. كذلك لا يسمح بأي تأثير على ايمانه بالمقاومة وقادتها. بوصلته واتجاهاته واضحة ثابتة، لم تغيرها عواصف الزمن منذ ايام الشباب. يتمسك بعروبته كأساس لخياراته، وبيته كان دفع ثمنها دمًا.
هذا هو سليمان طوني فرنجية الذي فتح صفحة جديدة مع حزب "القوات" متجاوزًا جريمة اهدن. حين يعطي اقوالاً يقرنها بالافعال.
منذ يومين زرنا بنشعي كمجموعة اعلامية مصغرة دعانا "البيك" لتناول طعام الغداء على مائدته. كان ذلك قبل اطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فرنجية كعادته في استقبال الضيوف يرحّب بتواضعه. هو لا يدع ضيفا ينتظر حضوره في الصالون، كما يفعل بعض السياسيين. لا تعرف من اين تبدأ الحديث مع فرنجية؟
كانت الحشرية الاعلامية تدفعنا للسؤال عن اسباب العلاقة الصاعدة مع رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري. لكن قبل ذلك، الاسئلة تدافعت حول ما يحصل؟
"القوات" تدعم فرنجية
اول من طرح ترشيح زعيم "المردة" للرئاسة كان حزب "القوات". في السياسة كل شيء ممكن. قد يكون الهدف عند رئيس "القوات" سمير جعجع التأسيس لمرحلة جديدة لتوسع حزبه على قاعدة طي اكثر صفحات الماضي سوداوية.
حين تسأل "البيك" ماذا حصل مع "القوات"؟ يقول: بالاساس يوجد لجنة مشتركة كانت تجري اجتماعات حول مواضيع امنية، لمحاصرة اي خلاف قد يحصل بين شباب "المردة" و"القوات". ثم جرت اجتماعات سياسية بين ممثلنا (الوزير السابق) يوسف سعادة وممثل "القوات" طوني الشدياق. طرحت "القوات" تبني ترشيحي لرئاسة الجمهورية، مقابل مطالب حول دور "القوات" في السلطة خلال عهدي لو تم انتخابي رئيسًا. لكن "البيك" يضيف انه لم يقبل بكامل العرض خشية من ان يكون ذلك على حساب حلفائه. حينها لم تنته الاجتماعات على خلاف باعتبار ان لا جديد في موضوع الانتخابات الرئاسية، على امل العودة للتواصل لاحقا.
وقبل ايام من لقاء باريس بين فرنجية والحريري ارسل "البيك" يوسف سعادة لسؤال الشدياق: هل ما زالت "القوات" عند عرضها؟ اتى الجواب: نعم. فأبلغهم بالنية للتوجه للقاء الحريري. في هذا الوقت كانت اجتماعات "القوات" و"التيار الوطني الحر" تتكثف تحضيرًا "للنوايا" بين الفريقين.
ماذا جرى في باريس؟
يقول فرنجية التفاهم تم مع الحريري في اول اجتماع على ورقة مكتوبة، تتضمن:
-انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية.
-تسمية شخصية من 14 آذار لرئاسة الحكومة (لم يطرح الحريري نفسه ولم يذكر اي اسم اخر).
-الالتقاء في منتصف الطريق، بالنسبة الى الملفات الخلافية. (هنا جرى كلام حول موضوع المقاومة، فقال فرنجية للحريري: ليس في مقدورك او قدرتي اتخاذ اي قرار بهذا الشأن لانه يتعلق بالملفّات الدولية الكبرى، فلنضع ملف المقاومة بعيدا عن التجاذبات الداخلية).
فرنجية اوضح هنا ان الحريري لم يشترط عليه التخلي عن الثلث الضامن في الحكومة. سؤال الحريري كان يتمحور حول الضمانات بعدم الانقلاب عليه مجددا، فأكد له فرنجية "ان الضمانة الوحيدة هي عدم تجاوز الخطوط الحمر السياسية من الجميع".
وخلال تواجده في باريس اتصل "البيك" بحزب الله وابلغهم بما حصل.
فرنجية ما بين الضاحية والرابية
يقول فرنجية انه وضع مشروع التفاهم مع الحريري فور عودته الى بيروت بتصرف قيادة حزب الله: "فقلت لهم بانني مستعد للاستمرار إذا وجدوا مصلحة في ذلك، وإلا سأمزق الورقة وارميها بسلة المهملات، وكأن شيئا لم يكن، فأتى الرد: لا بد من الكلام مع رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون".
توجه بعد ايام فرنجية الى الرابية واطلع عون على التفاصيل: "فالمهم ألاّ نخسر هذه الفرصة الثمينة في إمكانية وصول رئيس من 8 آذار الى رئاسة الجمهورية، والخشية هي من الوصول الى وقت نخسر ترشيحي من دون ان نربح ترشيحك يا جنرال". فلا الجنرال يقبل بالخطة (أ) والخطة (ب)، لأنه كان قبل سنة سحب التداول بالحديث عن ذلك، ولا قبل النقاش بطرح الحريري حول دعم فرنجية.
اكتفى عون بمخاطبة فرنجية: "انت شاب طموح، وترشيحك حق... الله يوفقك".
أثار "البيك" موضوع الحملة السياسية الاعلامية ضده، وسمّى كلام وزير الخارجيّة جبران باسيل الذي كان حاضرًا عن "الأصيل والوكيل"، فردّ باسيل انه لم يكن يقصد فرنجية.
فرنجية وتفاهم معراب
عندما تستحضر تفاهم معراب امام "البيك" تظهر ابتسامة فرنجية ترافق قوله: انا صاحب الفضل.
اما وظيفة التفاهم فهي قطع الطريق على ترشيحي، يقول زعيم "المردة". لا يشك "البيك" ابدا بثوابت الجنرال، "هو لا يتنازل عن العناوين الاستراتيجة وله علاقة خاصة ومودة كبيرة للسيد نصرالله، لكن ماذا عن الكلفة الداخلية للتفاهم؟ انا اخشى من تلك الكلفة التي سيطالب بها جعجع الذي سيعتبر انه قام بواجبه عندما أيّد عون وجرى التوقيع امام الرأي العام، الأمر الذي قد يضطر الجنرال الى تسديد فواتير معينة لرئيس "القوات".
هنا فرنجية يشير الى الانتخابات النيابية. لا يمكن بالنسبة لزعيم "المردة" ان يكون توسع القوات في الشمال. بل ان جعجع سيدخل الى أقضية جبل لبنان من خلال حصة الجنرال النيابية، في حال حصول تحالف انتخابي بينهما. بالمقابل فان فرنجية مطمئن الى ان تياره سيتوسع وسيعاود فتح مكاتبه في كل مناطق جبل لبنان بعد توقف حصل في السنوات الماضية مراعاة للحلفاء.
حين تسأل "البيك" ماذا عن وزن عون انتخابيا" والحديث عن الحيثية المسيحية؟ يقول فرنجية ان الفضل في فوز "التيار الوطني" بالانتخابات النيابية يعود بشكل اساسي الى الاصوات الشيعية المرجّحة. من كسروان وجبيل الى بعبدا وجزّين. لولا الاصوات الشيعية لخسر عون معظم مقاعده. ربما كانت كتلته مؤلفة من اربعة نواب فقط. يستند فرنجية هنا الى الارقام في الانتخابات الاخيرة. كما يستحضر "البيك" الحديث عن الاقطاب الاربعة وهو احدهم، ومواصفات طاولة الحوار التي تنطبق عليه.
ماذا حول الافق الرئاسي؟
يرى فرنجية "ان المأزق الرئاسي سيبقى مستعصيا الان، لأن عون لن ينسحب، وحزب الله لن يتخلى عن دعم الجنرال، ولن يضغط علينا، وأنا لن انسحب، والحريري لن يدعم عون".
اما الحل فسيكون برأيه من خلال: إما بموافقة عون على الخطة "ب"، وإما بأن يقرر الحريري دعم ترشيحه فننسحب له حينها، لاننا هكذا لا نفوت علينا هذه الفرصة.
فرنجية يوضح انه ماضٍ في المعركة الرئاسية، "لان التعطيل المجاني للترشيح الاقوى، هو نوع من العبث السياسي المؤذي لنا كفريق سياسي، فلو ان انسحابي يضمن فوز عون بالرئاسة، سأنسحب فورا، وسأفعل متى قرر الحريري ان يدعم الجنرال، أما إذا سحبت ترشيحي الآن فلن يؤدي ذلك الى انتخاب عون، بل ان 14 آذار قد تذهب حينها في اتجاه طرح أسماء أخرى من خارج 8 آذار.
ويرى فرنجية ان حظوظه الرئاسية متأرجحة، لكن الاكيد ان لا حظوظ لعون في ظل الاوضاع الحالية.
رئيس "المردة" جزم بأن موقفه حول جلسة 8 شباط سينسقه مع حزب الله للمقاطعة او الحضور، "برغم ان هذا القرار قد يجرّ علي الانتقادات كوني مرشحا رئاسيًّا".
فرنجية يدافع عن الحريري
يقول "البيك" ان "الشيخ سعد" مهذب جدا ومريح، فهو لا يستفز محدثه مهما كان الاختلاف في الرؤى والتوصيفات. فالحريري يعبر عن واقع سياسي يمثل اغلبية المسلمين السنة.
ويسأل: أين المصلحة في استفزاز ثلاثة ملايين ونصف سني يتواجدون في لبنان، من لبنانيين ونازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين؟ ولماذا ندفع هؤلاء الى التطرف، علما ان بعضهم قد يلجأ الى العنف؟ أنا ضد استفزاز الطائفة السنية، أو غيرها من المكونات...
ولماذا تظن ان الحريري والسعودية قررا دعمك لرئاسة الجمهورية؟
يجزم فرنجية انهما اقتنعا بحتمية انتخاب رئيس من قوى 8 آذار، للخروج من نفق الشغور، "وربما يعتبران ان التفاهم معي ممكن"، وحول اتهام النائب احمد فتفت مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا بتسريب خبر لقاء باريس بينه وبين الحريري نفى فرنجية ذلك قائلا: مخابرات الجيش هي التي سربت.
لن الغي احدا...
يقول فرنجية انه لن يلغي او يحجّم أحدا إذا وصل الى رئاسة الجمهورية بل "سأعطي خصمي وحليفي حقه وفق حجمه".
لا يرى فرنجية ان الخطابات حول الاصلاح فقط تنطبق على ارض الواقع، فهو يعتبر ان التفاهم بين القوى معبر اساسي لتنفيذ الاصلاح وهو ما سيسعى اليه.