بعد خروج الجيش السوري من لبنان، في العام 2005، بات ينظر إلى "حزب الله" على أساس أنه "مايسترو" العلاقة بين قوى الثامن من آذار، التي كانت تضم حلفاء دمشق السابقين، قبل أن ينضم "التيار الوطني الحر" إلى دائرة الحلفاء، بعد التفاهم الذي أبرم بين الجانبين في العام 2006.
على مدى السنوات الماضية، واجه الحزب العديد من المصاعب، في إدارة العلاقة بين هؤلاء الحلفاء، كان أبرزها خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون، حيث وجد نفسه مضطراً إلى التركيز على الصراعات فيما بينهم، بعد أن كان يتولى الدفاع عن تمثيلهم ودورهم، خصوصاً في مراحل تشكيل الحكومات.
قبل ولادة حكومة حسان دياب بساعات قليلة، كان كافياً أن يبادر "حزب الله"، بناء على الخلافات التي كانت تعصف بين حلفائه، إلى تسريب معلومات عن إنسحابه من لعب دور الوساطة، حتى يضطر الجميع إلى تقديم تنازلات، قادت في نهاية المطاف إلى ولادة تلك الحكومة، التي وجدت نفسها أمام مجموعة من المطبّات.
العودة إلى تلك المراحل ضرورية، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "النشرة"، لقراءة الواقع الحالي، خصوصاً بعد مرحلة العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث يجد الحزب نفسه أمام مواجهة صعبة على المستوى السياسي الداخلي، عنوانها الأبرز هو أنه بات مضطراً، إلى جانب "حركة أمل"، إلى خوض مواجهة قاسية، للدفاع عن دوره وتمثيله، ما اضطرهما إلى رفع شعار الميثاقيّة، بعد الإستشارات النيابية التي قادت إلى تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده، في هذا المجال، هو أن الحزب يخوض هذه المواجهة من دون حلفاء، من الناحية العمليّة، الأمر الذي لا يمكن أن ينفصل عن التحوّلات القائمة على المستويين الداخلي والإقليمي، بالإضافة إلى تداعيات العلاقة المتوترة مع بعضهم في السنوات الماضية، حيث هناك من أعلن أنه لم يعد يرتبط بتحالف معه، كالتيار "الوطني الحر"، في حين هناك من يجد نفسه مضطراً إلى مواكبة التحولات، كالعديد من النواب السنّة الذين كانوا محسوبين على قوى الثامن من آذار، خصوصاً بعد العودة السعودية القوية إلى الساحة المحليّة.
ما تقدّم، لا يمكن أن ينفصل عن تداعيات المرحلة التي تلت السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، حيث لم ينجح الحزب في إدارة العلاقة مع مجموعات شعبيّة واسعة، وجدت نفسها في مواجهة مع القوى السياسية التقليديّة، ثم لاحقاً في إدارة ملف الإنتخابات النيابية في العام 2022، التي خسر فيها الأكثريّة النيابية التي كان قد فاز فيها عام 2018، بسبب عدة عوامل، أبرزها: الفشل في السلطة، عدم القدرة على إنتاج خطاب يواكب المرحلة، الخلافات بين الحلفاء في بعض الدوائر.
في هذا الإطار، تشير المصادر المتابعة إلى أنه بعد إنتخابات 2022، التي شهدت خسارة بعض الحلفاء مقاعدهم وتراجع حضور البعض الآخر النيابي، كان على الحزب أن يذهب إلى مراجعة سياسية، لكنه بدل ذلك ذهب إلى تكرار ما حصل على مستوى الإستحقاق الرئاسي بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، عبر التمسك بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، مراهناً على تسوية تقوده إلى القصر الجمهوري، رغم إختلاف الظروف عن المرحلة التي قادت إلى إنتخاب ميشال عون.
بالإضافة إلى ذلك، جاء فتح الحزب "جبهة الإسناد" لقطاع غزة، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول من العام 2023، رغم عدم توفر المعطيات الداعمة لهذا الخيار، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، التي قادت، بعد توسع المواجهات العسكرية، إلى تعرضه لضربات قاسية، لكن الأهم التداعيات السياسية التي تركتها، خصوصاً على صعيد التوازنات الجديدة، التي ظهرت خلال الإنتخابات الرئاسية وتسمية رئيس الحكومة المكلف، من دون تجاهل نتائج سقوط النظام السوري السابق.
في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن ما يهم هو ما سيلي ذلك، خصوصاً أن البلاد ستكون، في العام 2026، على موعد مع إنتخابات نيابية، ينظر إليها على أساس أنها ستكون مفصلية، على وقع غموض كبير على مستوى التحديات والتحولات، التي من الممكن أن تبرز في الفترة الفاصلة، ما يفرض مراجعة شاملة تقود إلى إدارة جديدة.