الحديث الذي ادلى به الوزير الاول في قطر حمد بن جاسم لمجلة "الفايننشال تايمز" اللندنية يجب التوقف عند بعض محطاته لنكتشف من جديد مدى التآمر العربي والغربي الذي مورس ضد سوريا.
يقول حمد بن جاسم "عندما بدأنا التحرك في سوريا عام 2012 كان لدينا ضوء اخضر بأن دولة قطر هي التي ستقود، لان المملكة العربية السعودية لم ترد في ذلك الوقت الجلوس امام مقعد القيادة، ثم حصل تغيير في السياسة، ولم تخبرنا الرياض انها تريدنا (قطر) في المقعد الخلفي.. وانتهى الامر بان نتنافس مع بعضنا البعض، وهذا لم يكن صحياً".
انطلاقاً من ذلك، نلحظ الآتي.
في العام 2012، أي مع بدايات الأزمة السورية، كانت قطر تمتلك الضوء الاخضر للتحرك في سوريا. هذا ما ذكره حمد بن جاسم، واسم الرجل بحد ذاته في ذلك الوقت كان يعني دولة قطر بحدّ ذاتها.
وبالعودة إلى نفس التاريخ من العام 2012، نجد انه كانت هناك لجنة عربية بقيادة حمد بن جاسم تقوم بزيارات الى دمشق بهدف الاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد من اجل البحث عن (حلول). وقد وثّق كتابٌ بعنوان "الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج" للصحافي سامي كليب محاضر تلك الجلسات والنقاشات بين اللجنة العربية وبين الرئيس بشار الاسد الذي اكتشف من خلال الحوارات والمقترحات ان هناك امراً مدبراً ومخططاً يجري تنفيذه من خلال اللجنة العربية، ما دفع الرئيس الاسد الى توجيه الاتهام المباشر الى حمد بن جاسم بانه يعمل لصالح تنفيذ اجندة الولايات المتحدة. واضاف الاسد قائلا لحمد بن جاسم: "انت تقول لي يجب ان تفعل وتمارس الاملاء علينا وكأنك صاحب الكلمة الفصل، ونسيت انك في سوريا وفي عاصمتها دمشق، لها رئيسها ولها شعبها وجيشها". وتابع: "ما رايك يا شيخ حمد أن تقوم وتجلس مكاني؟"
نخلص للقول انه في نفس الوقت الذي يعترف به حمد بن جاسم بامتلاكه الضوء الاخضر للتحرك في سوريا من العام 2012، كانت اللجنة العربية تتحرك بزياراتها المتكرّرة الى دمشق مستندة الى ضوء اخضر، اي بمعنى آخر ان المؤامرة كانت انطلاقاً ومن خلفية ضوء اخضر كان قد اعطي للجنة العربية التي شكلت غطاءً لتنفيذ تلك المؤامرة على سوريا. اذاً حمد بن جاسم يعترف ان اعضاء اللجنة العربية كانوا يجتمعون مع الاسد من اجل التآمر عليه وعلى سوريا قلب العروبة النابض.
اللافت ان تصريحات حمد بن جاسم جاءت تزامناً مع توقيت وصول الرئيس الأميركي باراك اوباما الى العاصمة السعودية الرياض للمشاركة في اجتماع مجلس التعاون الخليجي، مع الاشارة الى ما رافق الزيارة من فتورٍ لافتٍ في استقبال اوباما وانزعاج سعودي رسمي واضح من تصريحات اوباما قبل واثناء الزيارة، مع ما رافقها أيضاً من تسريبات اعلامية حول امكانية الكشف عن محتوى 25 صفحة متعلقة بالتحقيقات التي تمت مناقشتها بالكونغرس الاميركي والمتعلقة باحداث 11 ايلول من العام 2001 التي تكشف عن تورط بعض الامراء في الاسرة الحاكمة في السعودية بتمويل هجوم نيويورك، اضافة الى تصريحات الامير تركي الفيصل الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات السعودية، بالاضافة لكونه شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن، حيث قال ان الايام الخوالي بين السعودية والولايات المتحدة انتهت الى غير رجعة.
المثير في الاعترافات تركيز كلام حمد بن جاسم على الدور السعودي الذي افتتح بازار المؤامرة على سوريا، على حدّ ما أوحى، ومما لا شك فيه ان المؤامرة لم تكن بقرار سعودي منفرد، بل يجزم بعض العارفين والمطّلعين على خفايا الامور ان قرار تنفيذ المؤامرة على سوريا كان مشتركاً بين السعودية وقطر وأميركا وتركيا، اضافة لتنسيق متبادل ووثيق مع أميركا والعدو الاسرائيلي للانتقام من سوريا، لكنّ السعودية لم تكن تريد الظهور بمظهر قائد المؤامرة لتبقى وراء الستار، رغم أنّها في الوقت عينه كانت المركز الرئيسي لادارة العمليات بالتمويل والتسليح في سوريا، فوضعت دولة قطر بالواجهة واوكلت الى قطر مهمة القيادة الوهمية اقله لتضمن حصول نتائج تنفيذ المؤامرة ومن ثم الانقضاض على القيادة، لكنّ تعثّر المشروع دفع السعودية للدخول على خط تنفيذ المؤامرة المدبّرة مباشرةً بهدف اختطاف وحصد "النتائج المرجوّة" الذي تحول فيما بعد الى انكسار المشروع برمته ليطفو الصراع السعودي القطري في سوريا الى السطح...
نقول هذا الكلام للربط والاضاءة وكشف خيوط المؤامرة التي كانت مدبّرة مسبقاً على سوريا بدءاً من اعطاء الضوء الاخضر لقطر بالشراكة مع بعض العرب وأميركا وتركيا واسرائيل.
نختم لنسأل، هل تصريحات حمد بن جاسم وبهذا التوقيت بالذات جاءت من تلقاء نفسه ام انها جاءت بناءً لضوء اخضر أميركي؟ ولماذا لم يفصح الشيخ حمد بن جاسم عن هوية اصحاب الضوء الاخضر الذي حصلت عليه قطر للتحرك في سوريا، مع ان الامر بات مكشوفاً؟