رأى الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان السيد محمد علي الحسيني أن الکمال والقوة الاعتبارية للدين الإسلامي تكمن في القدرة الديناميکية على الحوار والجدل وطرح الحجة تلو الحجة والتي تأتي من سعة أفقه و اتسامه بروح المعاصرة المستندة إلى أصالة تستند على جذور وأسس راسخة، ولذلك فإن الإسلام قد منح دائما مساحة کبيرة لحرية النقاش والجدل والمحاججة بل وحتى جعل التشکك والإستدلال والتيقن أساسا للإعتقاد، بمعنى أنه لايطالب باعتقاد شکلي ولفظي.
واضاف: "الکثير من الآيات القرآنية الکريمة، تعطي أمثلة حية وفريدة من نوعها على المساحة المتاحة لحرية الإعتقاد و التفکير، وهو بذلك يکد على احترام حرية العقيدة وسعيه من أجل أن تکون مستندة على أسس ومعطيات فکرية و تحليلية واستقرائية وليست اعتباطية و ارتجالية، وإن الآية الکريمة 256 من سورة البقرة:"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، و کذلك الآية الکريمة 99 من سورة يونس:" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، والآية الکريمة 56 من سورة القصص:" إنك لا تهدي من أحببت"، والآية الکريمة 103 من سورة يوسف:" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"، هذه الآيات ومن خلال التأمل والتمعن فيها بدقة، نجد أنها ترسم خطا بيانيا لحرية العقيدة، ذلك أن حلاوة وقوة الإعتقاد تأتي من الاقتناع الراسخ به وکما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع):"نوم على يقين خير من صلاة في شك"، ولذلك نجد أن القرآن الکريم قد شدد في أکثر من آية على عدم الإکراه في دفع الناس للاعتقاد بالإسلام کما أن الإعتقاد لايمکن أن يتم من خلال رغبتك بأن يکون فلان على عقيدتك و ريتك لمجرد أنك تتودد إليه"، مشيرا الى ان "الرسول الاکرم"ص"، قد أکد أيضا على هذا المسار والسياق القرآني الواضح في قضية الإعتقاد وقد جاء في الحديث الشريف:( وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد قال : كان رسول قيصر جاء إلي قال : كتب معي قيصر إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - كتابا ، فأتيته فدفعت الكتاب ، فوضعه في حجره ، ثم قال : " ممن الرجل ؟ " قلت : من تنوخ . قال : " هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية ؟ " قلت : إني رسول قوم ، وعلى دينهم حتى أرجع إليهم . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - ونظر إلى أصحابه وقال : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )، وأنه من الواضح أنه"ص"، يکد على النهج القرآني ويشدد عليه کي يترسخ أکثر فأکثر لدى المسلمين حتى لاينظروا ويتعاملوا مع هذه القضية الهامة والحساسة جدا بصورة وطريقة مغايرة لما جاء في القرآن الکريم.
ولفت الحسيني الى ان "الإسلام الذي جاء ليکرم الإنسان ويرفع من شأنه ومن منزلته، فإنه وکما نرى قد راعى کثيرا الجانب الاعتقادي لديه لأن لهذا الجانب أهم وظيفة ومهمة في تکوين الشخصية الاعتبارية للإنسان، والإسلام يريد الإنسان أن يکون على ثقة وقناعة راسخة بما يعتقد به وليس أن يکون ذلك على أسس واعتبارات مهزوزة ووقتية غير راسخة". وقال: "من هنا، فإن بعض الاحزاب في لبنان التي تريد الاستبداد وقمع الناس باسم الدين والتي تسعى کل جهدها من أجل أن توحي بأن الإسلام دين إستبدادي يفرض الأمور عنوة وقسرا على الناس رغم أنفهم، لاتتفق مع الإسلام و مبادئه وقيمه السمحة التي تدعو للحرية والانفتاح والتضحية والإيثار، وأن أمة کريمة معطاء يصفها القرآن الکريم"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، لايمکن أبدا أن تکون أمة مستبدة و مضطهدة ومقصية للآخرين".
واشار الحسيني الى ان البناء الفکري والاعتقادي للإنسان، يعتبر الأساس والأصل الذي يرتکز عليه الإنسان في انطلاقته وتعامله وتعاطيه مع الواقع الموضوع من کل النواحي و على کافة الأصعدة، وقطعا فإن هذا البناء لو کان قسريا أو انعدمت فيه الإرادة والاختيار الإنساني، فإنه لن يکون رصينا ومتسما بالرزانة والإتزان والحبکة اللازمة وإنما وعلى العکس من ذلك يمکن أن يکون في حالة هشة وغير متماسکة، والإنسان في مثل هذه الحالة لن يکون عنصرا مفيدا بالنسبة للمجتمع لأنه سيتسم بالقلق وعدم الاستقرار، وبطبيعة الحال فإن أي إنسان لم يکن لديه معتقد و فکر ما يمن به من أعماق ذاته، فإنه سيکون قلقا وغير واثق من نفسه و معتمدا عليها.