مرّ أسبوعان على إعلان تنظيم «​جبهة النصرة​» فكّ ارتباطه بالتنظيم الأم «القاعدة». ما الذي تغيّر فعلاً؟ كيف ينظر رجال «القاعدة» في لبنان إلى قرار أمير «النصرة» أبو محمد الجولاني الخروج من عباءة «الجهاد» العالمي؟

رضوان مرتضى

«جبهة النصرة» أو «جبهة فتح الشام»... ما الذي اختلف؟ هل تُرجم فكّ الارتباط فوراً أو سيحصل خلال أسابيع وشهور، أم أن المسألة استراتيجية تحتاج إلى سنوات؟ هل اختلفت النظرة إلى التنظيم وبات مقبولاً دولياً واستُقبل أم أن «التخريجة» أعقد من ذلك؟ وهل شذّب أمير «النصرة» أبو محمد الجولاني لحيته أم استبدل جبّته وعمامته ببذلة رسمية وربطة عنق ليقبل به الأميركيون؟

في الشكل، طرأ تغيير ملحوظ على الآتي: أُزيل شعار «تنظيم القاعدة في بلاد الشام» عن الراية التي استُبدل لونها الأسود بالأبيض. وخلع أمير التنظيم أبو محمد الجولاني قناع التخفّي كاشفاً عن وجهه وهويته أمام الملأ. لكن، بالتأكيد، لم تنقطع علاقته بزعيم «قاعدة الجهاد» الشيخ أيمن الظواهري، حاله من حال أعضاء مجلس شورى تنظيم «النصرة» الذين «أفنوا عمرهم جهاداً في صفوف القاعدة. فهل يُعقل أن يُمحى هؤلاء بشطبة قلم؟! وهل يتخلّون عن تاريخهم وعمقهم بهذه السهولة؟».

ميدانياً، لا يزال مقاتلو هذه الجبهة رأس حربة المواجهة مع الجيش السوري وحلفائه. كذلك لم تتغيّر نظرة روسيا أو الولايات المتحدة وغيرهما إلى التنظيم. بالنسبة إلى الدولتين العظميين، سواء كان التنظيم «جبهة نصرة» أو «فتح الشام»، فلن يُغيّر ذلك في كونه إرهابياً. غير أن الموقف الأميركي كان أكثر تمايزاً. فالمتحدث باسم البيت الأبيض ذكر أنّ التنظيم سيكون تحت المراقبة. ربما أراد القول، بكلمات أُخرى، إن مفاعيل التغيير ميدانياً تُحدِّد الموقف منه مستقبلاً. إذاً، بقي الأمر على حاله وسيستمر هكذا، أقلّه في المدى المنظور.

أما في ما يتعلق بموقف ​المجموعات الجهادية​ من فك الارتباط، فقد كان النقاش دائراً بشأن مسوِّغات القرار وأسبابه. بالنسبة إلى جهاديي لبنان الذين تتواصل «الأخبار» مع عدد منهم، فإنّ التغيير لا يعدو كونه شكلياً أو مؤقتاً. ينفي هؤلاء نفياً قاطعاً حصول انشقاقات تُذكر في صفوف التنظيم في سوريا. أكثر من ذلك، ذهب أحدهم إلى المقارنة بين «النصرة» و«الدولة الإسلامية» في فك البيعة. يقول أحد الجهاديين لـ«الأخبار»: «بإمكان أي كان ترك القاعدة (النصرة)، بشرط عدم إفشاء أسرارها، ولا جُرم عليه، بعكس تنظيم «الدولة» الذي يُبيح دمه». ينطلق الرجل من هذه المقدمة ليقول إنّ الباب مفتوح أمام من يريد الخروج من القاعدة أو النصرة ولن يُضرب بوردة.

أما بالنسبة إلى أحد رجال «القاعدة» الذي كان يدور في فلك «جبهة النصرة» خلال السنوات الماضية، فإنّ «فكّ الارتباط رسالة إلى الداخل السوري، لا إلى المجتمع الدولي. نحن نعلم أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا، لن يرضوا عنّا حتّى نتّبع ملّتهم». أما لماذا كان قرار فكّ الارتباط؟ فيردّ القيادي المذكور بأنّ «النصرة» رضخت لمطالب الفصائل الجهادية في الشام. وأعلنت قيادة التنظيم فك الارتباط مع «القاعدة» الأمّ، «رغم معارضة أميرها الفاتح أبو محمد الجولاني هذا القرار طوال أشهر». ويُضيف أنّ «فصائل الشام كانت تلحّ على النصرة لترك القاعدة»، ملقية اللوم عليها بشأن «حصار المجتمع الدولي المحرَج من دعمها ما دام هناك احتمال بسيط أن يصل شيء من الدعم إلى مقاتلين ضمن تنظيم مدرج على لوائح الإرهاب». ويذكر القيادي الذي شغل لفترة منصب شرعي في التنظيم أن «هذه الفصائل ذهبت بعيداً في الضغط على النصرة، محمّلة إياها مسؤولية عدم تسلّمها من الدول الغربية أسلحة كاسرة للتوازن». ويشير إلى أنّ «هذه الفصائل كانت أول من بارك خطوة فك الارتباط مع القاعدة»، معتقدة أنّ «الغربيين الصليبيين سيفتحون الآن مزاريب الدعم لثورة الشام إن هي تخلّت عن القاعدة، لكن هيهات أن يحصل ذلك».

جهادي آخر، قاتل في سوريا، يرى أنّ خروج «جبهة النصرة» من عباءة تنظيم القاعدة «إنما هو لإلقاء الحجة على فصائل الشام بأنّ حجب الدعم لا تقف دونه عائقاً القاعدة أو غيرها. إنما هناك قرار بالقضاء على الجهاد. وأميركا وروسيا لن تأتيا إلينا بالمنّ والسلوى إن تركنا القاعدة. هذه الدول كانت وستبقى متآمرة على جهاد الشام». ويخلص متسائلاً: «تركنا القاعدة، لكن لا يزال هدفنا الحكم بما أنزل الله. فهل يرضى بذلك الروسي الملحد والأميركي الصليبي؟ هل يقبل هؤلاء بتحكيم شرع الله ويدعمونه؟ قل لي بربّك: كيف نفك الارتباط مع التوحيد ودعاة التوحيد؟».