بات من المعروف أن المؤسسة العسكرية الأميركية، هي من عملت على إجهاض الإتفاق مع الجانب الروسي حول الأزمة السورية، لا سيما بعد تنفيذ طائرات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب غارة على مواقع الجيش السوري في دير الزور، بالإضافة إلى المماطلة في عملية فصل من تصنفهم بـ"المعارضة المعتدلة" عن التنظيمات الإرهابية، خصوصاً جبهة "النصرة"، التي باتت تجذب إلى جانبها المزيد من الفصائل، تحت جسم "جيش الفتح"، الذي تنضم إليه على وقع المعارك العسكرية التي ترتفع حدتها في الوقت الراهن.
على هذا الصعيد، من المسلّم به أن المرحلة الفاصلة بين الإنتخابات الرئاسية الأميركية وتسلم الرئيس المقبل زمام الأمور، سواء كان المرشح الجمهوري دونالد ترامب أم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ستكون تحت عنوان التصعيد الميداني: بغية الإستفادة من الوقت الضائع لتحسين أوراق القوة، قبل الإنتقال من جديد إلى مسار المفاوضات السياسيّة الذي لا غنى عنه، وهو ما سيعمل مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين على إستغلاله إلى أقصى الحدود.
بناء على ذلك، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن دوائر صنع القرار العسكري والأمني في الولايات المتحدة، بدأت بالعمل على التحضر لمرحلة الرئيس المقبل، بعد أن وجدت صعوبة في التعامل مع الرئيس الحالي باراك أوباما في العديد من المناسبات، حيث كانت شخصيّته متردّدة تفضّل الذهاب نحو الحلول السلميّة والسياسيّة، وتؤكد بأن تلك الدوائر تفضّل وصول المرشحة الديمقراطية إلى سدّة الحكم على حساب المرشح الجمهوري، خصوصاً أن ترامب يبدو متحمّساً للتعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى أنه لم يقدم رؤية واضحة لما يريد القيام به على مستوى قضية الشرق الأوسط بشكل أساسي، من دون إهمال أن مواقفه من الحلفاء في أوروبا تهدد وحدة حلف "الناتو"، فهو يريد الحصول على بدل مالي مقابل أي أمر تقوم به الولايات المتحدة على مستوى حماية الحلفاء.
وفي حين تلفت هذه المصادر إلى أن كلينتون تنوي العمل على إعادة التوازن مع الدور الروسي، خصوصاً في الأزمة السورية، تشير إلى التسريبات الصادرة عن مسؤولين أميركيين حول إمكانية تزويد مقاتلي الفصائل المعارضة، من قبل الدول الخليجية، بأسلحة جديدة، منها صواريخ مضادة للطائرات تطلق عن الكتف للدفاع، وتشدد على أن تلك الدول لا يمكن أن تقدم بأي شكل من الأشكال على مثل هذه الخطوة من دون ضوء أخضر أميركي واضح، وتضيف: "على ما يبدو هناك فكرة بتكرار ما حصل في أفغانستان مع الإتحاد السوفياتي، حين عمدت الولايات المتحدة، بالتحالف مع الدول الخليجية، على تقديم الدعم لمن كانت تطلق عليهم تسمية "الجهاديين"، بهدف إستنزاف موسكو في حرب طويلة لم تكن قادرة على الإستمرار بها"، وهو ما لا ينفصل عما نقل عن قوى المعارضة السورية، يوم أمس، من أن دولاً داعمة لها زوّدتها بكميات كبيرة من صواريخ غراد.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا المسار الذي يعيد إلى الأذهان أيام الحرب الباردة، بين كل من واشنطن وموسكو، هو السلاح المرجح إستخدامه من قبل الولايات المتحدة، في حال وصول المرشحة الديمقراطية إلى البيت الأبيض، وهو ما تخشاه روسيا التي كانت تسعى للوصول إلى إتفاق مع أوباما قبل نهاية عهده، الأمر الذي دفعها في أكثر من مناسبة إلى فرض وقف إطلاق نار، في وقت كانوا هم يحرزون إنتصارات على الجبهات، لتكون النتيجة بإعادة الفصائل المعارضة تجميع قوتها للإنطلاق في مواجهات جديدة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، موسكو لم تكن تفضل، منذ اليوم الأول لدخول الحرب، الذهاب إلى حرب طويلة مع الجماعات المعارضة، بل ان هدفها كان تعديل موازين القوى بشكل يساهم في الوصول إلى حل سياسي يرجح كفّة الرئيس السوري بشار الأسد، ولهذا السبب قد تكون ذهبت إلى تكثيف جهودها نحو مدينة حلب، بالتزامن مع رفع السقف عالياً بوجه المؤسسة العسكرية الأميركية، التي وجهت لها إتهامات مباشرة بالوقوف وراء إفشال الإتفاق مع واشنطن، وتسأل: "كيف ستتعامل مع تطور الأحداث في حال وصلت أسلحة نوعية إلى المعارضة السورية، لا سيما تلك المضادة للطائرات؟"، وتجيب: "كل الأمور معلقة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، حيث ستكون الصورة أوضح".
في المحصلة، توحي المعطيات المقبلة من الساحة السورية بأن مسار المفاوضات السلميّة تراجع إلى نقطة الصفر، بالرغم من أن الجميع عاجز عن فرض حلٍّ عسكري، فهل تكون معادلة من يصرخ أولاً هي الحكم؟