شهدت فرنسا انقلابا في الانتخابات الرئاسية تمثلت بخروج الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار من سياق المنافسة حيث، تبقى للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية مرشحين هما: مرشح يسار الوسط Emmanuel Macron وزعيمة حزب الجبهة الوطنية السيدة Marine Le Pen.
والسؤال المطروح، كيف برز السيد Macron كمرشح جدي فقط منذ سنة، بينما الأعراف الفرنسية تقتضي أن يمر أي مرشح بمنصب نائب senateur أو وزير أو عمدة مدينة مرة أو عدة مرات ليحوز على الخبرة اللازمة تمكنه من خوض غمار الانتخابات الرئاسية، سواء من اليمين أو من اليسار؟. لقد قام الرئيس الفرنسي François Hollande بلعبة ذكية من وراء الكواليس بدفع Macron إلى الترشح إلى الانتخابات ويستهدف من وراء ذلك ضرب خصومه السياسيين من الحزب الاشتراكي وعلى رأسهم Benoit Hamon وArnaud Montebourg، وغيرهم من الذين تمردوا على سلطته، ويمكن مقاربة طرح Hollande كالمثل اللبناني "سحب الأرنب من الأكمام".
وقد لاقى ترشيح السيد Macron دعما من كبار رجال الأعمال وكبار المصارف باعتباره يمثل الأسرة المصرفية بصفته مصرفي سابق. ومنذ إعلان ترشيحه، حظي بدعم وسائل الإعلام، حتى انه أعطي أكثر من كل المرشحين الفرصة، للإطلالة الإعلامية في الإذاعة والتليفزيون ووسائل الإعلام. وهذه الفرصة لم تمنح لسواه وقد قاطع عدد كبير من وسائل الإعلام المرشح اليساري السيد Melenchon.
وقد استغل السيد Macron وسائل الإعلام معتمدا على الكريسما التي يتمتع بها، وحيوية الشباب. كما تعلم من زوجته التي تكبره بـ25 عاما وأستاذته السابقة في المدرسة اليسوعية في Amiens أسلوب الخطابة، والتوقف المبرمج أمام الجمل واعتماد الخطاب ذات المضمون العام، والذي يرضي الشريحة الكبرى من المجتمع الفرنسي وعدم الدخول في المتاهات التفصيلية التي ترهق المستمع، وتجعل المرشح يغرق في الوعود البراقة. ويستدل على ما تقدم أن وسائل الإعلام ساهمت في حملة Macron الانتخابية وتوجته أميرا قبل الانتخابات. وقد دعمته في لقاءاته في المدن، ونقلت ما أمكن من تحركاته الشبابية وأسلوبه الطبيعي من جهة، وأسلوبه المسرحي المدروس من جهة أخرى. وإذا سألت أي مواطن فرنسي خارج النخبة ما هو برنامج Macron فقد يعجز عن الجواب إلا عن بعض الأفكار العامة غير المنهجية.
والسؤال المطروح في عهد العولمة هل أن وسائل الإعلام هي التي تتمتع بالدور الريادي في وصول الزعماء إلى سدة الحكم؟ وإذا عدنا إلى الانتخابات الأميركية السابقة التي فاز بها الرئيس Barack Obama نراه فاز لأنه كان يتمتع بمهارة خطابية عالية وقدرة على حبس الأنفاس عندما يصوغ عباراته الشعبية عن الحلم الأميركي والأمل بمستقبل أفضل، أكثر من أي صفة قيادية وسياسية أخرى له.