بالرغم من اعتبار خصوم المملكة العربية السعودية ان قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز السماح للمرأة السعودية الحصول على رخصة قيادة السيارة، انه امر غير مهمّ وربما بديهي تأخر حصوله أعواما كثيرة، فإن مصادر متابعة للاوضاع في هذه الدولة الخليجية الكبرى يَرَوْن ان القرار يعكس توجهات تغييرية لا يمكن تجاهلها. على سبيل المثال هناك مليون سائق اجنبي في السعودية، ومعظمهم من الدول الآسيوية وخصوصا الفيلبين، يعملون كسائقي سيارات لدى الأسر السعودية، ومن هنا يعتبر الامر الملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة غير عادي، من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، وينطوي ايضا على ابعاد اقتصادية.
ولاحظت هذه المصادر ان القرار المذكور، سبقه منع الداعية السعودي الشيخ سعد الحجري، من القاء الخطابات ومن كل النشاطات الدعوية، رغم انه موظف ويتلقى راتبا من الدولة، وذلك بسبب خطبة أشار فيها الى انه يتعين الإبقاء على الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، مبررا قوله بأن النساء لا يملكن سوى نصف القوى العقليّة للرجال. كما ترافق ذلك مع عدة اعتقالات لمتطرفين دينيين.
ورأت المصادر ان التقليد المتبع في السعودية المتعلق باحترام كبار السن وعدم مخالفة أوامرهم، قد بدأ يتغيّر، إذ بات واضحا ان المحرك وراء قرار الملك هو نجله وولي عهده الامير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاما، والذي يسعى ايضا الى تغيير اقتصاد المملكة العربية السعودية. ففي الرؤية 2030، وفي الخطة الكبرى التي اعلن عنها العام الماضي والرامية الى دفع اقتصاد السعودية ومجتمعها لمجاراة القرن الواحد والعشرين، تتوقع اقتصادا له قاعدة صناعية أوسع وأقل اعتمادا على النفط، كما ان نظرة ولي العهد للعادات والتقاليد الاجتماعية هي اقل تحفظا بكثير. واللافت في هذا المجال ان السلطات السعودية سمحت ولأول مرة للنساء بحضور الاحتفال باليوم الوطني للملكة العربية السعودية، الذي أقيم في ملعب رياضي الاسبوع الماضي.
وتعتبر المصادر المتابعة ان جزءا من الخطة الاقتصادية للأمير محمد بن سلمان ينطوي على انشاء وتطوير منتجعات سياحية على طول ساحل البحر الأحمر، وهو مكان مفضل للغواصين، كما سيتم بناء منشآت وفقا للمعايير الدولية، اي انها تتيح السباحة المختلطة بين الرجال والنساء، لا بل ايضا بارتداء البيكيني، وربما احتساء المشروبات الروحية، على غرار ما هو قائم في دولة الامارات العربية المتحدة وعدد من دول الخليج العربي.
وعمّا اذا كان هناك إمكانية لهذه السياسة الجديدة بالنجاح، تشير المصادر الى أن تولّي الامير محمد بن سلمان زمام الحكم محل والده، وهذا الامر يبدو انه ليس ببعيد، وسيعزز من قدراته على تنفيذ مخططاته وعلى لجم المتطرفين، اضافة الى ان حظر القيادة للنساء لم يكن مطبقا بشكل كامل، خصوصا في الريف السعودي حيث تقود نساء القبائل السيارات منذ عقود من الزمن للاعتناء بالحيوانات والزراعة، وكذلك في المدن حيث يعيش العدد الكبير من الأجانب. وقد سمحت مجمعات سكنية للمغتربين للنساء بقيادة السيارة وذلك لانه لم يكن يسمح لا للشرطة ولا لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتواجد داخل بواباتها، كما سمحت "أرامكو" للنساء بالقيادة داخل مجمعاتها السكنية.
وقالت المصادر المتابعة، ان من الطبيعي ان يقلص هذا الإجراء نفوذ المحافظين الذين يتمتعون بسلطة مؤسسية، لكنها مهددة على نحو متزايد، كما انه يضعف الهيكل الاجتماعي التقليدي حيث يتولى الرجال الكبار في السن إدارة مسائل العائلة، ويفرضون آراءهم على اولادهم من الشباب الذين يتخرجون من افضل جامعات الغرب.
وعما إذا نجاح خطة ولي العهد الشاب على الصعيد الداخلي تعني تلقائيا نجاحا على صعيد السياسة الخارجية للملكة وعلاقاتها مع العالم، تجيب المصادر في هذا السياق، ان كل المعطيات المتوفرة حتى الان لا تشير الى ذلك، والدليل قرار الامير محمد بن سلمان التورط في حرب اليمن، الخلاف مع قطر، وعلاقات المملكة مع ايران .
وترى المصادر انه اذا قدر لخطة الملك المقبل ان تنجح على الصعيد الداخلي، فإن مقاربة السعودية للملفات الخارجية، لا بد وان تكون بتعاون الامير محمد بن سلمان مع من يملكون خبرة اكبر، ورؤية أوضح، سواء بالنسبة للعلاقات الاميركية-السعودية، او لعلاقات المملكة مع باقي دول العالم، لان التركيز على اقامة تحالف مع الاميركيين وحده، ليس بالضرورة ان يؤدي الى حماية المملكة وتجنيبها مطبات، قد تطيح بكل الإصلاحات الداخلية المنفذة أو المنوي تنفيذها من قبل ولي العهد السعودي .
وتخلص المصادر الى ان الحوار مع ايران على غرار ما فعلته الدول الكبرى، سيكون من الامور الملحّة التي يجب ان تقوم عليها سياسة المملكة الخارجية، لان المواجهة معها، لن تؤدي الى استقرار دول الخليج العربي ولا دول المنطقة العربية.