ضجّت البلاد أمس بخبر توقيف المديرية العامة لأمن الدولة الممثل المسرحي زياد عيتاني، بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي. انقسم الرأي العام بين مدين للموقوف، وحاكم ببراءته، رغم أن التحقيق لا يزال في بدايته. في ما يأتي، ملخص رواية «أمن الدولة» لمسار التحقيق مع عيتاني
أوقفت وحدة مكافحة الإرهاب والتجسّس المضاد في جهاز أمن الدولة الممثل المسرحي زياد عيتاني بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي. أوقعت به فتاة ثلاثينية جذّابة، وصفها خلال التحقيقات بأنّها بيضاء طويلة ذات شعر أسود وعينين خضراوين تُدعى كوليت. كوليت فيانفي. هكذا عرّفته عن اسمها الحقيقي. تعرّف كوليت وزياد عبر فايسبوك منذ عام ٢٠١٤ وتبادلا الرسائل، ظنّاً منه أنّها سويدية. هي من بادر إلى الاتصال به.
واستمرّت العلاقة لغاية عام 2015، عبر بريد موقع فايسبوك، قبل أن يزوّدها برقم هاتفه وبريده الإلكتروني. في البداية، كانت أحاديثهما تقتصر على علاقتهما والأوضاع العامة في لبنان والعالم. لم تبقَ العلاقة في هذا الإطار. في أوائل عام 2016، نجحت الفتاة السويدية التي اتّضح أنّها ضابط استخبارات إسرائيلي في تجنيد عيتاني للعمل لمصلحتها. هل كان زياد يعلم أنّها إسرائيلية؟ تُجيب المصادر الأمنية: «بالتأكيد، لقد أطلعته على هويتها الحقيقية». وما قبل التجنيد ليس كما بعده.
نفت المصادر الأمنية ما أشيع عن اعتراف الموقوف بالتحضير لمحاولات اغتيال
اختلفت طريقة الاتصال لتعتمد على «ماسنجر»، وتطبيقَي «واتساب» و«جيمايل». الرسائل بين عيتاني والضابط الاسرائيلي، تضيف الرواية الامنية، كانت مشفّرة، ومقسّمة إلى ثلاثة أقسام، يُرسَل كل منها عبر تطبيق مستقل، أو تُبعث الرسالة المشفرة عبر أحد التطبيقات، وفك التشفير على تطبيق آخر. وكان الحساب الشخصي للإسرائيلية يُلغى كل ثلاثة أسابيع ليفتح بعدها بوقت قليل حساب آخر جديد باسم مغاير يقوم مجدداً بالاتصال بحساب زياد. وبحسب محاضر التحقيق، كان زياد يعرف أنّها المتّصلة، كونهما متفقين على جملة تعريف خاصة بينهما هي: «HI IT’S ME»، على أن تُكتب العبارة بالأحرف الكبيرة. كذلك كانت تطمئن عليه يومياً؛ فقد ذكر عيتاني للمحققين أنها اتفقت معه على أن يفتح فايسبوك والواتساب يومياً عند الثانية بعد الظهر، لتعلم مشغّلته أنّه لم يتم إلقاء القبض عليه. كذلك ذكرت محاضر التحقيق أنّ عيتاني كان يتلقّى اتصالات هاتفية متعددة من رموز اتصال تابعة لعدة بلدان، منها السويد وبلجيكا وفلسطين المحتلة وتركيا وقطر، علماً بأنّها كانت تستعمل أرقاماً هاتفية جديدة في كل مرة. وبيّنت التحقيقات، ودائماً بحسب المحاضر وإفادة الموقوف عيتاني، أنّه التقى بكوليت شخصياً لأول مرة في آب الماضي في تركيا.
عيتاني لا يزال في خانة المشتبه فيه، لا هو مدّعى عليه، وليس متهماً، ولا محكوماً مداناً. لكن مجرّد توقيفه، وإعلان المديرية العامة لأمن الدولة أنه اعترف بالشبهة، وأنه كان يخضع للمراقبة لمدة طويلة، وأن التحقيق يجري بإشراف القضاء، فإن طرح الأسئلة لم يتوقف. لماذا قد يسقط ممثل كعيتاني في فخ التعامل مع العدو؟ ما هي دوافعه؟ وبماذا تستفيد الاستخبارات الإسرائيلية منه؟ تزدحم الأسئلة التي تعثر على بعض الأجوبة عنها في إفادة المشتبه فيه. فقد طلبت كوليت من عيتاني العمل ليكون شخصية عامة فاعلة وذات علاقات متميّزة، وأن يعمل على تطوير علاقاته. وأبلغته أنّ عليه الاهتمام بمظهره الخارجي كي يتمكن من الانخراط في بيئات معينة. ولهذه الغاية كانت تُرسل له شهرياً منذ عام ٢٠١٦ مبلغاً من المال يتراوح بين ٥٠٠ دولار و١٠٠٠ دولار أميركي عبر «ويسترن يونيون» تحت اسم مستعار هو «عارف مرعي»، حيث كان يحصّلها من مكتب الشركة المذكورة المقابل لبيته. كذلك طلبت منه الاتصال بالشخصيات السياسية المؤثرة عبر مستشاريهم المقرّبين والإعلاميين الذين يدورون في فلكهم. وأبلغته أنّ عليه اختيار أهدافه على أساس توجهاتهم اللاعنفية وأن يكونوا متحررين وليبراليين وداعمين للسلام في الشرق الأوسط. أما الغاية فكانت جمعهم في تيار سياسي وإعلامي فاعل يروّج للسلام والحل على أساس إقامة دولة فلسطينية، ولاحقاً التطبيع مع إسرائيل. كانت مهمته في البداية باستشفاف آراء الأهداف وتوجهاتهم إذا ما كانت داعمة للفكرة أعلاه قبل مفاتحته بأيّ موضوع. وذكرت المحاضر أنّ مشغّلته كانت ترسل له رسائل مشفّرة تتضمن لوائح اسمية لإعلاميين، وتسأله عمّا إذا كان يعرفهم أو يعرف توجهاتهم، ومنهم كاتبان معروفان تقرر أن تستدعيهما المديرية للاستماع إلى إفادتيهما، بصفتهما شاهدين، اليوم. كذلك تبين أنّها أرسلت له لائحة بأسماء ٢٩ وزيراً، باستثناء الرئيس سعد الحريري، وسألته عمّن يعرف بينهم. وقد أجاب عيتاني عن هذا السؤال بأنّه مقرّب جداً من مستشار وزير الداخلية نهاد المشنوق، محمد بركات، فطلبت منه إفادتها بعنوان سكن الوزير المشنوق وأبلغته بضرورة التقرّب منه وتمتين العلاقة مع بركات. كذلك أبلغها أنّه يعرف وزير الدفاع السابق عبد الرحيم مراد وابنه وآخرين، وأفادها بكل ما يعرفه عنهم. فسألته مجدداً عن عناوين منازل من يذكرهم وتحركاتهم. كذلك سألت عن الوضع الأمني في الجنوب وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وعن الحالة العامة بعد استقالة الرئيس الحريري، وعمّا إذا كان يعتقد أنها مناورة أم حقيقية. واستفسرت منه عن «التغيير الديمغرافي في لبنان». وبدا لافتاً ما ورد في إفادة عيتاني عن أنّه كان يطلع «مشغّلته»، في كل مرة يلتقي بها أحد السياسيين أو مستشاريهم أو أحد الصحافيين، على كل ما دار بينهما من حديث. وقد أرسل لها تقارير عن مضمون لقاءاته بكل من طوني أبي نجم وأسعد بشارة ومحمد بركات ونادر الحريري وأشرف ريفي.
يوم الأحد الفائت، اتصلت كوليت بعيتاني عبر الواتساب، لتعلمه بأنها ستزور لبنان بتاريخ 2/12/2017، حيث ستمكث في فندق في برمانا. وقررا أن يجتمعا هناك. وأبلغ عيتاني المحققين أنها اتصلت به قبل يومين، أي يوم الجمعة في ١٧ من الشهر الجاري، وأخبرته أنّها ستزور لبنان للاجتماع به بشكل طارئ، وأنه خاف من الفكرة. وذكر لها حرف D قولاً أثناء المكالمة، ومعناه delay، أي تأجيل اللقاء. وأبلغ المحققين أنّهما متفقان لدى استعمال هذه العبارة على أن يتم وقف الاتصال لمدة ٣٠ يوماً، مشيراً إلى أنّها خالفت البروتوكول حينما اتصلت به الأحد لتبلغه أنها ستقوم بحجز إقامة في فندق البستان لتنزل في الثاني من شهر كانون الأول بمعية شخص سيقوم بمساعدته وتدريبه وتطوير مهاراته الأمنية.
ونفت مصادر أمنية ما جرى تداوله أمس عن كون عيتاني أقرّ بأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تُعدّ لاغتيال المشنوق ومراد، وأنه شارك في الإعداد لعمليتي الاغتيال. وأكّدت لـ«الأخبار» أن «المشغّلة» طلبت من عيتاني جمع معلومات عنهما، ومحاولة التقرّب منهما، لا أكثر.
أول من أمس الخميس، وبناءً على إشارة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، وبأمر من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، أُلقي القبض على عيتاني واقتيد إلى أحد مراكز التحقيق في أمن الدولة. وبحسب الرواية الأمنية، فإن الموقوف «نفى في بداية استجوابه كل ما يُنسب إليه. ولكن، لدى مواجهته بالأدلة التقنية، كبيانات حسابه على فايسبوك وبريده الإلكتروني، اعترف بهدوء».
مدير أمن الدولة: نتابع الملف منذ 4 اشهر
لم يكد يُعلن عن توقيف الممثل المسرحي زياد عيتاني بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي حتى انبرى عدد من السياسيين والإعلاميين والناشطين الفايسبوكيين للدفاع عن الموقوف وشنّ هجوم على جهاز أمن الدولة. ومِن خلفه صوبوا السهام على الأجهزة الأمنية والقضائية معاً لـ «تتفيه» عمل هذه الأجهزة. لم يفسح هؤلاء المجال لانتهاء التحقيق وسارعوا إلى إصدار الأحكام لتثبيت تبرئته، في مقابل آخرين عمدوا مباشرة إلى إدانة الموقوف، رغم أن الرواية الامنية لا تزال تعتريها بعض الثغر التي لا يمكن سدها إلا باستكمال التحقيق مع عيتاني. وهذا التحقيق لا يزال في بدايته، ويحتاج إلى مزيد من الوقت لتنجلي الصورة. من هاجم الجهاز الأمني ودافع عن الموقوف لا يملك أي دليل، فيما الطرف الآخر كان يستند إلى البيان الصادر عن المديرية العامة لأمن الدولة الذي أكّد الخبر. إلّا أنّ الأجدر كان التريّث وتشجيع المديرية العامة لامن الدولة على المضي في عملها، بإشراف القضاء. وفي اتصال مع «الأخبار»، قال المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا: «بدأنا بمتابعة الملف منذ أربعة أشهر مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، كان هناك تنافس إيجابي وتمكّنا من الإمساك بطرف الخيط الذي أوصلنا إلى المشتبه فيه ولم نقم بتوقيفه إلا بعد موافقة وإشارة القضاء المتمثل بمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس». وأبدى صليبا استغرابه من «ردّ فعل بعض الإعلاميين والسياسيين الذين هاجموا المديرية دفاعاً عن المشتبه فيه الذي كان قد اعترف بعلاقته بالعدو الإسرائيلي». وسأل صليبا: «هل يتوقع أحد في الدنيا أن يأتي عميل ليقول أنا عميل أو يخرج علانية ليُدافع عن اسرائيل؟ من الطبيعي أن يكون مختبئاً ومدعياً عكس ما هو عليه»، كاشفاً أنّه بصدد عقد مؤتمر صحفي نهار الثلاثاء للحديث عن القضية بعد ختم الملف.