بعد أيام قليلة على «الفيتو» الأميركي ضدّ مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يناقض اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار يرفض تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس، وقد صوّتت لصالحه 135 دولة، بينها دول حليفة لأميركا.
القرار الأممي الجديد، لن يغيّر في الواقع شيئاً، فالقدس، كما العديد من المدن الفلسطينية تحت الاحتلال اليهودي، وعمليات الاستيطان إلى ازدياد، ومخططات التهويد على قدم وساق. غير أن ما يغيّر الواقع، هو تصاعد الغضب الفلسطيني في إطار انتفاضة عارمة، تتعزّز فاعليتها وتتحقق أهدافها في ظلّ وحدة القوى الفلسطينية، على أساس برنامج نضالي يعتمد خيار المقاومة والكفاح المسلح سبيلاً للتحرير.
أما أهمية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلأنه شكل تحدّياً لإرادة ترامب ولعنجهية مندوبته نيكي هايلي، حتى أنّ بعض حلفاء أميركا ومَن يعملون لحسابها، سجلوا من خلال تأييد القرار الأممي عدم احترامهم للولايات المتحدة الأميركية. لكن هذا لا يعني أنّ هؤلاء خرجوا عن طاعة أميركا!
وعلى أهمية قرار الأمم المتحدة، الذي هو بمثابة «لا» كبيرة بوجه أميركا، إلاّ أنّ هناك الكثير من الأسئلة وهي تحتاج إلى أجوبة. ومن بين هذه الأسئلة، ما هي طبيعة الخطوات الأميركية رداً على قرار الأمم المتحدة، وهل تذكير المندوبة الأميركية بالمساهمات المالية و«السخاء» مع الأمم المتحدة، توطئة لقرار أميركي يقضي بوقف هذه المساهمات للمنظمة الدولية؟
وماذا لو أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعمّدت إظهار كلّ هذه العجرفة في مواقفها وسياساتها في حين تستبطن أهدافاً وغايات أخطر؟
وما هي علاقة كلّ هذا الجنون الأميركي بـ «الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأميركي» التي تدعو إلى «فرض السلام عن طريق القوة»، وتشير إلى تحدّيات من ضمنها التحدّي الذي تمثله كلٌّ من روسيا والصين بوصفهما منافستين لأميركا، بحسب الاستراتيجية… وهل الملاحق السرية للاستراتيجية الأميركية الجديدة تتضمّن العمل على تقويض منظمة الأمم المتحدة؟
للإشارة فقط، فإنّ هناك دولاً عربية رفضت قرار ترامب، وصوّتت ضدّه في الأمم المتحدة، لكن بعضها يقيم علاقات تطبيع مع «إسرائيل»، وهذا التطبيع يوازي بفداحته اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي.
وعليه، فإنّ ما يجب التركيز عليه، ليس التعويل على القرارات الدولية، بل أن تستفيد القوى الفلسطينية وكلّ قوى المقاومة من قرار الأمم المتحدة الأخير إلى أقصى الحدود، والاستفادة لا تكون مجدية، إلا عبر تصعيد الانتفاضة وأشكال المقاومة كافة.