بحسب "إدارة الإحصاء المركزي اللبناني" والذي تعاون مع "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" للقيام بإحصاء غير مسبوق للفلسطينيّين في لبنان، إنّ عدد اللاجئين الفلسطينيّين في المُخيّمات والتجمّعات الفلسطينيّة في لبنان قد بلغ 174,422 شخصًا، بينهم 114,106 فقط يعيشون في المُخيّمات! وإنطلاقًا من هذه النتيجة، دعا رئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني حسن منيمنة إلى إعطاء الفلسطينيّين الحُقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة... فهل ما يجري مُقدّمة لتثبيت التوطين رسميًا بعد أن فُرض على أرض الواقع؟.
بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ هذه الأرقام فتحت الباب واسعًا أمام التشكيك في صحّتها من أكثر من جهة، ليس من مُنطلقات سياسيّة أو عرقيّة أو عنصريّة، بل من مُنطلق التضارب الكبير مع أرقام سابقة واردة من "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين" المعروفة بإسمها المُختصر "الأونروا". ففي العام 2010 كان عدد اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان-بحسب تقارير "الأونروا" يبلغ 422000 نسمة، يعيش نحو 53 % منهم داخل المُخيّمات المُختلفة، وهذا الرقم إرتفع إلى 469000 نسمة مطلع العام 2017 بحسب الأرقام المُسجّلة لدى "الأونروا" أيضًا. وبالتالي، من المُستغرب وُجود هذا التناقض الفاضح في الأرقام بين جداول "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين" والإحصاء اللبناني-الفلسطيني الذي نُشرت أرقامه أخيرًا، علمًا أنّ كل مُساعدات "الأونروا" الماديّة والماليّة والخدماتيّة تُبنى على أساس جداولها الخاصة التي يتم تركيبها وفقًا لإحصاء عدد التلاميذ الفلسطينيّين المُسجلين وعدد حاملي البطاقات الصحّية مع عائلات كل هؤلاء، وذلك منعًا لهدر أموال الدول والجهات المانحة، ومنعًا لاتهام "الأونروا" بسرقة هذه الأموال وتوزيعها على أشخاص وهميّين! وحتى عند المُقارنة بدول أخرى إستقبلت اللاجئين الفلسطينيّين بعد تهجيرهم من أرضهم في الحروب مع إسرائيل، فإنّ إحصاء رسميًا أجرته السُلطات الأردنيّة في العام 2015، أظهر أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيّين في الأردن يبلغ 634000 نسمة، علمًا أنّ العديد من المسؤولين الأردنيّين يتحدّث عن أعداد أعلى من ذلك بكثير.
وفي حين تتحدّث مصادر فلسطينيّة عن مُغادرة نحو 225000 فلسطيني لبنان خلال هجرات مُتتالية حصلت أثناء كل من الحرب اللبنانيّة (سنة 1975)، والإجتياح الإسرائيلي (1982)، وحرب المُخيّمات (1985-1988)، وحرب التحرير (1989)، إضافة إلى هجرات إلى أوروبا على مدى العقود الثلاثة الماضية، تارة بحجّة التعليم من دون الرجوع إلى لبنان، وطورًا بشكل غير شرعي في بعض الأحيان عبر منافذ من أوروبا الشرقيّة، تُقرّ مصادر لبنانيّة بحُصول حالات هجرة مُتفرّقة من لبنان إلى الخارج في محطّات مُختلفة، لكنّها تُشكّك كثيرًا بالأرقام المُقدّمة في هذا الصدد، وتستغرب هذا التناقص المُريب في أرقام اللاجئين الذين يتصفون بنسبة ولادات عالية من شأنها أن تُضاعف الأرقام مع مرور الوقت وليس أن تُقلّل منها! وفي السياق عينه، كان لافتًا كلام النائب نعمة الله أبي نصر عن مرسوم التجنيس رقم 94/5247 الذي صدر في صيف العام 1994، حيث ذكر أنّ هذا المرسوم منح الجنسيّة لأكثر من 71000 فلسطينيًا تحت عناوين مُتفرّقة هي "مكتومي القيد" و"جنسيات قيد الدرس" والـ"قرى السبع"، مُشيرًا إلى أنّ الرابطة المارونية كانت طعنت بقانون التجنيس المذكور.
وفي كل الأحوال، إنّ الأخطر من الأرقام غير الدقيقة وكذلك المُتضاربة وحتى المغلوطة عمدًا في بعض الأحيان، يتمثّل في مُحاولات تشريع التوطين وتحويله إلى أمر واقع غير قابل للتغيير، أوّلاً عبر التقليل من حجم خطر التحوّل الديمغرافي على المُجتمع اللبناني من خلال الحديث عن أرقام مُصغّرة للاجئين الفلسطينيّين والسوريّين، وثانيًا عبر المُطالبة بمنح هؤلاء الحُقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة من دون أي ضوابط أو ممنوعات. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الضُغوط الغربيّة لتوطين اللاجئين في أماكن وجودهم تصاعدت أخيرًا، ولو بشكل غير ظاهر، وذلك عبر وقف العديد من المُساعدات المالية بهدف حثّ الدول المُضيفة على دمج هؤلاء اللاجئين في مُجتمعاتها.
وفي الختام، لا بُد من الإشارة إلى أنّ من حق كل لبناني حريص على وطنه أن يتساءل عن كيفيّة حلّ مُعضلة اللاجئين الفلسطينيّين-وكذلك اللاجئين السوريّين، في لبنان، إذا كانت بعض الجهات تُحاول طمس الحقائق بشأنهم لغايات قد تكون غير بريئة. وإذا كان مئات الآلاف من الفلسطينيّين قد تبخّروا بشكل مُفاجئ من الإحصاءات والجداول، فما الذي سيحصل مع اللاجئين السوريّين في لبنان الذين لا يقيمون في مخيّمات مُحدّدة والذين يفوق عددهم عدد اللاجئين الفلسطينيّين؟! وبالتالي، هل ما يحصل من تسخيف لهذه المُعضلة التي تُثقل كاهل لبنان واللبنانيّين على مُختلف الصُعد، يُمثّل مُحاولة تمهيديّة لإبقاء مئات آلاف الفلسطينيّين والسُوريّين في لبنان، بحجّة أنّ عددهم محدود وبذريعة الشعارات التي تُنادي بحقوق الإنسان وبالمُساواة وبمُناهضة العنصرية المزعومة؟!.