بدأت تتزايد الأصوات الاسرائيلية التي تدعو رئيس حكومتهم بنيامين نتانياهو الى الاستقالة، بعد تعريض إسرائيل للخطر. تعكس كتابات الصحافيين والمفكّرين الاسرائيليين حجم كرة الثلج، التي تكبر سريعاً بعد تدحرج المطالبة بإستبدال نتانياهو، قبل ان يسقط معه الاسرائيليون. هي لعنة سوريا اولاً، التي راهن نتانياهو على متغيرات جذرية فيها، على اساس قلب النظام في دمشق، وفرض طاقم سياسي، قيادي، ودود مع تل أبيب، لقيادة السوريين نحو انجاز صفقة العصر، قبل ان يطرح الأميركيون صفقة القرن. لم تنجح رهانات رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي صرف وقته، ونشاطه قرب الجولان، لحث مسلحين على مواصلة القتال ضد دمشق، وتقديم العون لمجموعاتهم، والخدمات الطبية المفتوحة، والتأسيس لعلاقات استراتيجية بين تل أبيب والطقم السوري الموعود بتسلّم الحُكم في الشام، وخصوصا المخطط الذي قضى بتقسيم السوريين جماعات تخاف من بعضها البعض، فتلجأ لإسرائيل للمساعدة، بدءا من الموحدين الدروز في السويداء، الذي وضعت تل أبيب لعزلهم عن المجتمع السوري إمكانات ضخمة أدارها نواب دروز في الكنيست، حاولوا اللعب على الوتر الطائفي، لجذبهم الى تأسيس كيان منفصل عن سوريا، أو منطقة معزولة تشبه المساحة الجنوبية اللبنانية التي كانت إبّان الاحتلال الإسرائيلي قبل التحرير.
لكن السيناريو الافتراضي الاسرائيلي سقط، الى غير رجعة. فإرتفعت أصوات القلق الاسرائيلي التي تخشى تورط تل أبيب في جبهات حربيّة عدة، من الشمال الى الجنوب، لا تقدر على ضبطها، لا بالمفرّق، ولا بالجملة.
الكتّاب الاسرائيليون ملأوا أهم الصحف العبرية، بالتحذير من "تراكم الأخطاء الوطنية والأمنية تحت حكم نتانياهو: ابتداء من الخطاب التحذيري المزعوم في الأمم المتحدة، الى جانب الفشل الكبير في المعركة حيال غزة جنوباً، والتموضع الإيراني شمالاً، والتي انتهت في هذه المرحلة، بنقل صواريخ أس 300 الى سوريا، عبر تخريب العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
تلك مصيبة على الاسرائيليين بعد مشاركة ايران مع روسيا بالتعاون ضد تل أبيب. لا يعني الأمر حلفا وثيقاً بين طهران وموسكو، ولا هو الاستعداد لتجهيز حرب مشتركة ضد اسرائيل، لكن تحالفات نتايناهو مع خصوم موسكو واستفزازاته في ملف الصراع الخليجي-الإيراني، تقرّب المسافات بين الإيرانيين والروس، الى حد التماهي بين موسكو وطهران، في الرؤى الاستراتيجية والتكتيكية لملفات المنطقة.
خاب ظن نتانياهو، وسقطت خطة اسرائيل لضرب سوريا، ففرضت دمشق معادلات توازن الرعب، من خلال صمودها، وحلفائها، وصولا الى تزويدها من قبل موسكو بمنظومات دفاع جوي تستطيع ان تستهدف الطائرات الاسرائيليّة قبل ان تصل الى الاجواء السوريّة واللبنانيّة.
الاسرائيليون يعرفون فشل رئيس وزرائهم في السياسة الخارجية، وتجاوز سوريا ازمتها، بعكس ما كان يخطط، فشلّت دمشق نتانياهو في تل أبيب، وتعرّضه الآن للسقوط.
الأخطر عند الاسرائيليين أن فشل رهانات نتانياهو الخارجية، فتحت الابواب الداخلية عليه: هناك مشاكل، "من قانون القومية، عبر حوادث البناء والدراجات الكهربائيّة الفتّاكة، وحتى مظالم مديرية السكان".
لذلك، فإن الاصوات الاسرائيلية بدأت تطالب بإستبدال نتانياهو، بالتزامن مع التحقيقات والمحاكمة المرتقبة له، وسير محاكمة زوجته التي دخلت في مرحلة متقدمة. ومن هنا جاء الاصرار الداخلي الاسرائيلي على وجوب رحيل رئيس حكومتهم، الذي خسر رهاناته، قبل أن يُسقط الاسرائيليين معه، فرفعوا شعار استبداله بالسرعة الممكنة. فهل يهرب من ازمته الداخلية التي ستطيح بمستقبله السياسي نهائياً؟ وكيف؟ الحرب وحدها هي الكفيلة بلمّ الاسرائيليين حوله، في حال نجح في كسبها. أمّا وتوازن الرعب والقوة قائم، فليس بمقدور تل أبيب النصر في حرب ستفتح نار جهنم عليها من كل مكان، عبر صواريخ قادرة ان تطال كل مساحة في اسرائيل، و من خلال الدفاعات الجويّة المعززة بنظام روسي عماده "أس ٣٠٠"، لإسقاط اي طائرة هجوميّة. كل ذلك يعني أن نتانياهو فشل، بموازاة سقوط "صفقة القرن" التي تفتقد الى تأييد زعيم فلسطيني مهزوم. كل الفلسطينيين يرفضون الهزيمة. اذا لا توقيع.