كل مؤشرات الاقتصاد في اللون الأسوَد، والنداءات من الخارج تتوالى: أنقِذوا «سيدر» والمساعدات لأنّ الوقت الهارب لا يمكن تعويضه، والأزمات المعيشية تبلغ حدوداً خانقة، فيما المعنيّون يضيعون الوقت والفرَص ومستعدون للمغامرة بالبلد من أجل وزير هنا أو هناك! فهل حان الوقت لتدارك الأسوأ؟
في هذه الأجواء الداكنة، حرَّك الوزير جبران باسيل مبادرته مجدداً. وبعد لقائه النائب عبد الرحيم مراد، زار الرئيس نبيه بري طارحاً أفكاراً جديدة، وحمل إليه الرغبة، من موقعه الوازن، في أن يدخل على خط المساعي للمساهمة في حلّ الأزمة.
يقول المطّلعون إنّ باسيل طرحَ أمام بري حَملة البعض على مبادرته وقولهم إنه قد فشل. وقال له: «دولة الرئيس نحن نتحرك لحل الأزمة. وإذا فشلت المبادرة فلن يكون ذلك فشلاً لي، بل للتسوية، وسيكون المتضرّر هو البلد. وإذا كان هناك مَن يستاء من مبادرتي، فأنا على استعداد للتخلّي عنها أمامكم وأعلن ذلك للناس من هنا، من عين التينة».
فأجابه رئيس المجلس: «لا. أتمنى عليك أن تمضي في مساعيك، وأدعو الجميع إلى أن يضعوا أيديهم معنا». وبَدت المصادر المعنية مرتاحة إلى ما أبداه بري من استعداد للمساعدة، حتى تتشكّل الحكومة، بالاتفاق بين مكوّناتها، وتكون منتجة ومتوازنة».
وإذ أعلن باسيل أنه حمل إلى عين التينة 3 أفكار، وأنّ هناك كثيراً من الأفكار التي يمكن عرضها ومناقشتها مع المعنيين، تَردّد أنّ باسيل يطرح ما يأتي:
- إقناع الحريري باستقبال النواب الستة والاعتراف بوجودهم السياسي، حتى وإن كانوا قد شكَّلوا كتلتهم النيابية بعد انتهاء الاستشارات النيابية. وبعد ذلك، يصبح ممكناً التعاطي معهم ومناقشة تمثيلهم في الحكومة.
- إمكان العودة الى مبدأ التبادل (وزير مسيحي بوزير سنّي) بين عون والحريري، بعدما جرى استبعاد ذلك في جولة المفاوضات السابقة.
- لن يوافق عون على تسمية أحد النواب الستة، أو الممثّل الفعلي لهم في الحكومة، من ضمن حصته، إلّا بشروط لن يكشف عنها رئيس الجمهورية وباسيل قبل حصول التواصل المنشود بين النواب الستة والحريري ومعرفة النتيجة التي سيؤدي إليها هذا التواصل. فعندئذٍ، سيكون ممكناً البحث في تمثيل النواب السنّة بصيغة لا تؤدي إلى شعور أي طرف بأنه هو الخاسر.
في أي حال، تمّ التوافق في عين التينة على الإسراع «ومن دون إحداث أي خلل في تشكيل الحكومة، لكي تعمل من دون زَغل ونكد بل بتوافق. وهذا الأمر يقتضي تعاون المعنيين على قاعدة: لا رفض في المطلق لحقّ أي طرف في المشاركة، اذا كان مستحقاً، ولا فرض لأيّ أمر خلافاً لإرادة الرئيس المكلّف»، وفق ما أشارت إليه المصادر المعنية.
لكنّ الواضح أنّ باسيل يتصرّف من منطلق أنّ الحريري ونواب 8 آذار الستّة هم المعنيّون في الدرجة الأولى بإبداء الرأي في التسوية، وإنهاء الأزمة. فالعقدة العالقة هي عقدة تمثيل سنّي، ويجب أن يعالجها أصحاب الأمر قبل سواهم.
والخطوة التالية في مبادرة باسيل، وفق المطلعين، قد تكون لقاء الحريري لمكاشفته أيضاً في هذه الأفكار. وهو يراهن على أنّ للحريري دوراً أساسياً في تسهيل الحل. لكنّ المشكلة تكمن في رفضه كل الأسماء الستة التي يتألف منها اللقاء السنّي. ويبدو أنّ المخرج الأفضل سيكون بالتوافق على إسم سابع يحظى بثقة الجميع، ليمثّل هؤلاء في الحكومة.
ستكون المشكلة على الأرجح، بعد الإقرار بتمثيل النواب الستة، التفاهم على أنّ الوزير العتيد مِن حصة مَن؟ رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة؟ فهذه النقطة تبقى العقدة الأبرز. وكان فريق عون قد أعلن في الجولة الأخيرة من المفاوضات أنه تخلّى عن اتفاق التبادل مع الحريري، ما يُعيد الوزير السنّي إلى أحضانه ويُبعد رئيس الجمهورية عن أزمة «إنتر سنّية».
ولكن، يبدو أنّ الجولات المقبلة من التفاوض قد تعيد احتساب الوزير السنّي السادس من حصة رئيس الجمهورية. وهذا الأمر رهن بمَسار الأخذ والردّ مع الحريري والقوى الأخرى الوازنة. وفي هذه الحال، ستكون هناك مستلزمات أخرى يطالب بها رئيس الجمهورية في المقابل.
في أي حال، تبدو أوساط «التيار الوطني الحرّ» مرتاحة إلى أنّ اللاعب المسيحي، من خلال باسيل، يقود اليوم مهمّة تتجاوز التكتل السياسي الذي ينضوي تحته وتعني البلد بكل مكوّناته. وهذا يحدث للمرّة الأولى منذ «اتفاق الطائف». وترى أنّ من شأن هذه الممارسة أن تعيد إلى الشريك المسيحي دوره كمُحفِّز وحلقة تواصل بين الطوائف.
ولذلك، هي تعتبر حملة البعض عليه، على خلفية اقتراح اللوحة التي تُؤرّخ لخروج الجيش السوري، مجرد استهداف في السياسة. وتقول: الحملة ترتكز إلى أنّ هذا الجيش لم يكن احتلالاً، وأنّ شرعية وجوده تمنع إقامة اللوحة. ولكن، أيضاً، الجيش الفرنسي كان وجودُه مشرَّعاً بصكّ الانتداب الذي أقرّته عصبة الأمم، ومع ذلك، وُضعت لوحة تؤرّخ لخروجه!
في خلاصة الصورة، باسيل يقوم اليوم بعملية سياسية مبنية أساساً على ضبط حسابات الربح والخسارة بين حصة عون وحصة الحريري في الحكومة العتيدة. وثمة من يرى أنّ تقاذفاً لكرة النار بدأ يَتظَهّر بين الطرفين، لأنّ كرة الوزير السنّي السادس ستكون على حساب أحدهما.
وخسارة عون مهمّة لأنها قد تُنهي «الثلث المعطّل». ومن هنا رغبته في إقناع الحريري بأخذ الأمور على عاتقه، إنطلاقاً من كون الموضوع يدخل في «اختصاص» التمثيل السنّي لا المسيحي. وقد يطالب بما يعوّضه هذه الخسارة.
أمّا الحريري فقد يهرب من كرة النار، ويراهن على الوقت «حَلّال المشاكل» في لبنان، عادة. ولكن هل يتحمّل البلد مزيداً من المماطلة والتسويف و»الدلع السياسي»؟