حظي تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور محمّد إشتيه، تشكيل الحكومة الجديدة، باهتمام إقليمي ودولي متجاوزاً الساحة الداخلية الفلسطينية.
وتكمن أهمية هذا التكليف في ظل الظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتعاني من ضغوطات أميركية، وممارسات تعسفية إسرائيلية، ومسارعة بعض الدول للتطبيع مع الاحتلال، وتماهي بعض الأطراف الفلسطينية مع مخطط «صفقة القرن» التي يتوقع أن يُعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعيد منتصف هذا العام، بعد اجراء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة، وفي ظل وضع ضاغط تعاني منه القيادة الفلسطينية وليس آخره الوضع المالي.
وكان قرار الرئيس «أبو مازن» باختيار شخصية بمستوى إشتيه، له تاريخه النضالي الحافل، وخبرته الطويلة في ملفات متعددة سياسياً واقتصادياً وتنموياً ووزارياً وأكاديمياً وتفاوضياً، منذ عضوية وفد «منظمة التحرير الفلسطينية» إلى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن، وتمثيل فلسطين في اجتماعات الدول المانحة والبنك الدولي، وترأس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار)، وصولاً إلى ترأس اجتماعات المؤتمر الاقتصادي والاجتماعي لـ«مجموعة 77 والصين» التي تتولى فلسطين رئاستها للعام 2019.
وترك تكليف إشتيه (61 عاماً) ارتياحاً في الأوساط الفلسطينية، وبذلك تكون المرة الأولى التي يُسمي فيها الرئيس عباس، أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» لرئاسة الحكومة بعد 13 عاماً، بعدما كان قد سمى الدكتور إسماعيل هنية بعد فوز حركة «حماس» بالانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة (29 آذار 2006 - 14 حزيران 2007)، إلى حين سيطرة «حماس» على قطاع غزة، حيث كلف الدكتور سلام فياض تشكيل الحكومة (17 حزيران 2007 - حزيران 2013)، ومن ثم كلف الدكتور رامي الحمد الله تشكيلها (3 تموز 2013 - 10 آذار 2019، وتخلل ولايته تعديلين عليها).
واختيار إشتيه لتشكيل الحكومة الـ18، يتطلب أن تكون حكومة صمود وثبات ومساندة لقرارات الشرعية الفلسطينية.
وعلمت «اللـواء» أنها ستكون حكومة من فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» وقوى وفاعليات وطنية ومدنية ومجتمعية، بحيث سيطال التغيير أكثر من 80% من الوزراء في الحكومة المستقيلة، وستبصر النور خلال الأيام القليلة المقبلة،.
ووفقاً للنظام الأساسي فإنه أمام الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مُـدّة ثلاثة أسابيع للاعلان عنها، وإن تعذر ذلك يتم تمديد الفترة لأسبوعين إضافيين.
وقد حدّد الرئيس عباس في كتاب تكليف إشتيه، الذي سلمه له بعد استقباله ظهر أمس (الأحد) في مقر الرئاسة في رام الله في الضفة الغربية، خارطة الطريق لمهام الحكومة، بالتأكيد على:
- استعادة الوحدة الوطنية وإعادة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية.
- اجراء الانتخابات التشريعية في مناطق السلطة الفلسطينية، بما في ذلك القدس.
- الالتزام بتأمين الدعم المادي والمعنوي لضحايا الاحتلال وأسرهم من شهداء وأسرى وجرحى.
- تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في بقائه على أرضه في مواجهة السياسات الاحتلالية والاستيطانية.
- مواصلة الدفاع عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في مواجهة سياسات الاحتلال الرامية لتغيير هويتها الوطنية ومكانتها الدينية والتاريخية وتعزيز صمود المقدسيين فيها.
- مواصلة العمل لإنجاز بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية والنهوض بالاقتصاد الوطني، وتمكين المرأة والشباب وتعزيز ثقافة السلام.
- تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص والأهلي على قاعدة المسؤولية التضامنية للوصول للهدف المتمثل في استكمال معركتي التحرير والبناء.
وأكد إشتيه بعد تكليفه في رسالته إلى الرئيس عباس: «إنني مدرك تماماً للظرف الذي نمر به سياسياً، واقتصادياً، ومالياً، وأعي الهجمة على صمودكم وعلى ثباتكم، ولكن يا سيادة الرئيس، لقد عبرتم منذ انطلاقة الثورة مع إخوانك الرئيس أبو عمار، وأبو جهاد، وأبو إياد، وأبو السعيد، وأبو اللطف، وكمال عدوان، وعبد الفتاح حمود وغيرهم - ما هو أصعب مما نحن فيه اليوم، وسنعبر من هنا بقيادتك الحكيمة».
وشدّد على أن «وحدة الأرض والشعب، والمؤسسة والنظام السياسي، والشرعية الواحدة، والقانون الواحد، ورفع المعاناة عن شعبنا من أجل دحر الاحتلال، هي أهم عناصر كتاب التكليف، وعلى طريق ذلك، فإن استعادة الإشعاع الديمقراطي لشعبنا، وتوسيع الحريات العامة، واحترام الانسان، وتعزيز اقتصادنا الوطني واستثماراتنا فيه، وخلق فرص عمل للشباب، ومكافحة الفقر، هي عناصر رافعة لإنجاز الاستقلال ودحر الاحتلال ومتطلبه الرئيسي إنهاء الانقسام، وعودة قطاع غزة إلى إطار الشرعية الفلسطينية، ورفع المعاناة».
وقال: «إن التفاف شعبنا حولكم، وما تمثلونه من شرعية نضالية، وشعبية، وقانونية، هو تعزيز لموقفكم الرافض لصفقة القرن، وحماية للحق الثابت والتاريخي لشعبنا الفلسطيني. إنني أقرأ في هذا التكليف حرصكم على تعزيز الثقة بيننا وبين أهلنا، وأن نعمل على خدمتهم، ليس من باب إسداء المعروف لهم، ولكن من باب الواجب علينا تجاههم، وأفهم من هذا التكليف أنه علي وعلى الحكومة القادمة، أن نخدم الناس، وأن نرفع الظلم عنهم وأن نصون كرامتهم».
وختم إشتيه: «وأفهم منك، أنه ليس بالخبز وحده يحيى الانسان، بل بالحرية، والكرامة، وعزة النفس، وتحمل الآخر، والنقد البناء، والروح الايجابية في التعاطي مع مشاكل الناس وهمومهم، وخاصة في قطاع غزة والقدس والشتات».
ويُدرك اشتيه تماماً أن المهمة التي أوكلت إليه ليس سهلة، فهي تأتي في ظل التقشف الذي بدأت به السلطة الوطنية الفلسطينية، والذي طال أيضاً الرواتب، بعد رفضها تسلم مبلغ الضرائب التي جمعها الاحتلال نيابة عنها والبالغة 700 مليون شيكل (191.8 مليون دولار أميركي) عن شهر كانون الثاني 2019، بعد خصم الاحتلال مبلغ 22 مليون شيكل (11.510 مليون دولار) متذرعا بأن «قرصنة» المبلغ هو بدل المال الذي تدفعه السلطة إلى أسر الشهداء والأسرى في سجون الاحتلال.
وأيضاً أن مهمة حكومته، اجراء انتخابات تشريعية خلال 6 أشهر، بعدما حلت المحكمة الدستورية الفلسطينية، المجلس التشريعي.
وقبل أشهر من اجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة، والتي يليها تشكيل حكومة جديدة، يتوقع أن تكون أكثر تطرفاً، نظراً إلى الحاجة إلى صوت الناخب اليميني المتطرّف، وهذا يعني تكثيفاً للاستيطان وشرعنته، وتشجيع غلاة المستوطنين على المضي باعتداءاتهم، بما في ذلك اقتحاماتهم الاستفزازية إلى المسجد الأقصى المبارك، وتنفيذ القوانين التي تُكرّس يهودية الدولة.
وفي ظل استمرار سيطرة «حماس» على قطاع غزة، وعدم تمكين حكومة الحمد الله من القيام بمهامها في القطاع.
وكذلك بعد محاولة اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» أحمد حلس «أبو ماهر» الجمعة الماضي، في المحافظة الوسطى بقطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة «حماس»، خاصة أن المنفذين باتوا معروفين، وإن نفذوا جريمتهم بسيارة من دون لوحات، فإن الحادث يُعبر عن التضرر من عودة «فتح» بفعالية إلى القطاع بشكل لافت.