لا يمكن بناء أي خطة أو استراتيجية من دون الاعتماد على أرقام وإحصاءات دقيقة، وهذا يكاد يكون الدرس الأهم الذي يتعلمه المتخصص في رسم السياسات العامة والخاصة، ومن هنا تأتي أهميّة إدارة الإحصاء المركزي في لبنان، والتي للأسف لا تُعطى الاهتمام اللازم رغم أن أغلب الوزارات تعتمد عليها. حالها كحال الهيئة الوطنية للطاقة الذرّية، أهميتها تفوق بأشواط التعاطي الرسمي والشعبي معها.
تتولى إدارة الإحصاء القيام بنفسها أو بالتعاون مع الإدارات ذات العلاقة، وضع جميع الإحصاءات العائدة لحياة البلاد الاقتصاديّة والاجتماعية، وضع الحسابات الاقتصادية الداخلية (المحاسبة الوطنيّة) وميزان المدفوعات والبيانات السنويّة الأخرى عن النشاط الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، القيام بالإحصاءات والتحقيقات والدراسات التي يطلبها مجلس الإنماء والإعمار وبالدراسات الاقتصادية الأخرى التي تطلبها سائر الإدارات، إجراء تحقيقات إحصائيّة إلزامية، تحليل ونشر الإحصاءات الموضوعة، والمساهمة مع مجلس الخدمة المدنية في إعداد وتدريب الموظفين العاملين في وحدات الإحصاء التابعة للإدارات.
وبعبارات أسهل تتولى الإدارة بحسب مديرتها العامة مارال توتليان تقديم كل الاحصاءات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لقيام الوزارات برسم الخطط والسياسات، وأهمها أرقام التضخّم السنوي، وأرقام الإنفاق السنوي او الرقم القياسي لاسعار الاستهلاك في لبنان، مشيرة الى أن هذه الدراسة هي عبارة عن اداة لقياس معدل التغيّر في أسعار مجموعة من السلع والخدمات بين فترتين زمنيتين، وتسمى الفترة التي ننسب اليها الاسعار فترة الاساس، والفترة التي نقارن اسعارها فترة المقارنة.
تنطلق هذه الدراسة من تحديد معدل إنفاق الأسواق السنوي، والذي عادة ما يُقام كل 3 او 5 سنوات، ولكننا بسبب إهمال تمويل إدارة الإحصاء لم تتمكن من إعداد دراسة جديدة حول الموضوع لذلك فهي لا تزال تعتمد على أرقام العام 2013، مع المقارنة بين شهري آب 2019 وأيلول 2019 نسبة للأرقام الأساسية (الجدول المرفق)، حيث يقدم الرقم القياسي لاسعار المستهلك تقديرات شهرية حول نسب التغيّر في سلّة أسعار المستهلكين في لبنان.
وتشير مارال الى أن الأرقام تُظهر ارتفاعا في أسعار السلع بين شهري آب وأيلول، ولو أن النسب ليست كبيرة، مشددة على أنّ الرقم القياسي لاسعار المستهلك يُعتمد كمؤشر اقتصادي هام لحساب معدلات التضخم، التي بلغت في العام 2018، 6.07، مشيرة الى أن إدارة الإحصاء تُصدر معدلات التضخّم للعام السابق في كانون ثاني من كل عام لاحق.
وتكشف مديرة دائرة الإحصاء أنها بصدد التحضير لإطلاق دراسة ميزانية إنفاق الأسر عام 2020 بعد أن تمكّنت من تأمين التمويل اللازم لهذه الغاية، مشيرة الى أنّ إدارة الإحصاء عملت بالسنوات الماضية في مشاريع عديدة عبر هبات استطاعت الحصول عليها، ورفضت في أكثر من مناسبة أخذ القروض لتسيير عملها، كاشفة أن ميزانيتها السنوية لا تزيد عن 4 مليون دولار، ويعمل بها حوالي 105 أشخاص.
لا شك أن معدلات التضخّم ترتفع، ومع هذا الارتفاع تصبح إعادة النظر ببعض الأمور ضروريّة، ومنها السياسات النقديّة والخطط الاقتصاديّة، سلّم الرواتب والأجور، خصوصا للقطاع الخاص، علما أن آخر تعديل لها كان في العام 2012. ولكن بالنسبة لإدارة الإحصاء فإن مهمتها تنتهي عند تسليم الأرقام لعملائها الذين يبلغ عددهم اليوم حوالي 4 آلاف، اذ بحسب مارال فإن كل الاجهزة الاحصائية بالعالم لا تملك صلاحيّة اقتراح سياسات، وبالتالي "نحن ننشر المؤشّرات وكل وزارة مختصّة عليها الاستفادة من الأرقام كما يجب".
تعتمد إدارة الإحصاء على التعاون مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإن معايير عملها عالمية مع تركيزها على الخصوصية اللبنانية، ولكن فإن إنجاز العمل هذا لوحده لا يكفي اذ لا بدّ أن يتكامل مع تعاون مطلق من الوزارات والإدارات، التي لا يمكن أن تبني سياساتها بعيدا عن أرقام هذه الإدارة.