مهما تظاهر أهالي السجناء الموقوفين والمحكومين أمام سجن رومية، مستغلّين المخاوف من إنتشار فيروس كورونا للمطالبة بإقرار العفو العام والإفراج عن أبنائهم، لن يصدر القانون في هذه المرحلة ولن ينال جميع الذين في السجون الحرية دفعة واحدة، لأن الظرف السياسي غير ملائم للإتفاق على قرار بهذا الحجم، ولأن بين المساجين عدد لا يستهان به من مرتكبي الجنايات التي لا يمكن سياسياً أن يشملها أي قانون عفو، كالقتال ضد الجيش وقتل ضباطه وعسكرييه إضافة الى التفجيرات الإرهابية وغيرها.
الأجواء السائدة في الكواليس الحكومية تؤشر الى نية واضحة بتخفيف الإكتظاظ في السجون خوفاً من إنتشار فيروس كورونا، ولكن ليس عبر قانون عفو عام بل من خلال سلسلة إجراءات يتم تنسيقها بين وزارتي العدل والداخلية لتخفيف الضغط البشري داخل السجون. فمشروع القانون الذي قدمته وزيرة العدل ماري كلود نجم وأقره مجلس الوزراء خلال الأسبوع الفائت، والذي أخلى سبيل حوالى ١٢٥ سجيناً عاشوا أياماً وأياماً في السجن على رغم إنتهاء أحكامهم، كل ذلك فقط لأنهم غير قادرين على دفع غراماتهم، يصب في خانة تخفيف الإكتظاظ. وزيرة العدل لن تقف عند هذا الحد وقد بدأت العمل مع الأجهزة المختصة على آلية تسمح لقضاة التحقيق باستجواب المحتجزين بالصوت والصورة عبر الإنترنت للبتّ بأمرهم عن بعد تفادياً للكورونا وإنهاءً لاحتجازهم. وقد بدأ تطبيق هذا النوع من الإستجوابات مع القاضية جوسلين متى التي إستجوبت موقوفين عبر تطبيق الواتساب فيديو ومن ثم أخلت سبيلهم. في موازاة ذلك يعمل وزير الداخلية محمد فهمي بالتنسيق مع وزارة العدل، على سلسلة إجراءات للتخفيف من الإكتظاظ داخل السجون وأبرزها، تفعيل تطبيق المادة ١٠٨ من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أن فترة التوقيف الإحتياطي في الجنح لا يجب أن تتخطى الأربعة أشهر وفي الجنايات السنة، وفي هذا السياق، تتحدث المصادر الأمنية عن وجود ٢٥٣٠ موقوفاً موزعين على ٣١٢ نظارة، وإذ بُتّت ملفات هؤلاء بسرعة تتوقع المصادر المتابعة أن يخرج منهم نسبة تتراواح بين ٥٠ و٧٠٪.
من الإجراءات أيضاً، يُعمل على إعداد ملفات الموقوفين من دون محاكمة بجنح أو جنايات وبتها مع القضاء بالتنسيق مع وزارة العدل، وعند صدور الأحكام قد يتبين وجود موقوفين في السجون تخطت مدة توقيفهم الأحكام الصادرة بحقهم وبالتالي يُخلى سبيلهم فوراً.
إجراء إضافي يتمثل بتفعيل لجنة تخفيض العقوبات المؤلفة من قضاة يسمح لهم القانون بتخفيض عقوبة المحكومين من أصحاب السير الحسنة إضافة الى سجناء الأمراض المستعصية كالسرطان والسيدا والسل، فكبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة، وهذا يخفف أيضاً وأيضاً من الإكتظاظ داخل السجون.
إذاً، النية الحكومية موجودة لتخفيف الإكتظاظ في السجون، وقد بدأ تنفيذ الإجراءات العملية للوصول الى هذا الهدف، أما السؤال الذي يطرح فهو، فيما لو طبقت هذه الإجراءات بسرعة كم سيبلغ عدد السجناء الذي سيبقى داخل الزنزانات، علماً أن عددهم الإجمالي اليوم في كل لبنان يتراوح بين ٧ و٨ آلاف سجين؟!.