خلال الانتخابات الرئاسية في إيران في العام 2017، تصارعت ثلاثة أسماء حتى النهاية على أحد المراكز الأساسية في الدولة: حسن روحاني المنتمي إلى التيار الإصلاحي، ابراهيم رئيسي المنتمي إلى التيار الأصولي المتشدّد، محمد باقر قاليباف المتشدّد الذي يصف نفسه بأنّه يشجّع الروح الإصلاحيّة. يومها فاز روحاني بهذا الكرسي. إلا أنه مع مرور الوقت، تسلّم رئيسي رأس السلطة القضائيّة في إيران. ويوم الخميس الماضي، تسلّم قاليباف رأس السلطة التشريعية.
هذه الصورة، تصف الديناميكيّة للحياة السّياسية في إيران. من تنافسوا على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ها هم اليوم يترأسون المراكز الأبرز على الصعيد السياسي. كما أن وصول قاليباف، عمدة طهران السابق، إلى رأس مجلس الشورى الإسلامي له دلالات على المرحلة الحالية، التي تدخل فيها الجمهورية الإسلامية في ايران، خصوصاً في ظل التغييرات على المستوى القيادي.
بداية، من هو قاليباف وما أهمية وصوله إلى رأس السلطة التشريعية رغم عدم امتلاكه للخبرات الضرورية لهذا المنصب؟.
اشتهر باستلامه منصب عمدة طهران، الذي حقق فيه انجازات كبيرة ليتم اختياره كأفضل عمدة من قِبل موقع البلديات الدولي عام 2008. ورغم تعرّضه لانتقادات بعد اتهامه ببيع عقارات مملوكة لبلدية العاصمة لأعضاء مجلس البلدية ومسؤولين سياسيين وعسكريين بأقل من نصف قيمتها، إلا أن قاليباف، المسؤول العسكري السابق والقائد السابق للشرطة الوطنيّة، بقي من الركائز المهمة في الحياة السياسية الإيرانية. لم ينجح في الانتخابات الرئاسيّة رغم ترشحه ثلاث مرات، في 2005، 2013 و2017.
ويشتهر بأنه من "المستشرسين" في الدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية. ففي العام 1999 شهدت طهران تحركات احتجاجيّة طلابيّة، فلم يرق الأمر له (قائد الشرطة في حينه)، فأرسل رسالة شديدة اللهجة للرئيس آنذاك محمد خاتمي، مهدداً بالتدخل المباشر في حال لم توقف الحكومة هذه الاحتجاجات. وعُرِفَ بطلبه من الرئيس حسن روحاني، الذي كان أمينا لمجلس الأمن القومي يومها، إفساح المجال للطلاب بالتقدم لاعتماد استراتيجية الكمّاشة تجاههم، ومنذ ذلك الحين عُرِفَ بلقب "رجل الكماشة".
وصول هذه الشخصية إلى مركز رئاسة مجلس الشورى، له تداعيات على الداخل الإيراني والخارج، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العلاقة مع واشنطن.
يُعرف قاليباف بإحداثه ضجيجا سياسياً بين الحين والآخر. والسؤال الذي طرحته الصحف الإيرانيّة هو عن هدف خوضه غمار العمل البرلماني في هذه المرحلة، بينما هو كان دائماً متعطّشاً لرئاسة الجمهورية بترشحه أكثر من مرة. هنا، يبرز موضوع آخر وهو الصراع الذي سيحصل بين البرلمان ورئاسة الجمهورية، اذ ان العلاقة بين قاليباف وروحاني لطالما كانت متذبذبة. انتقادات كبيرة جاءت للأول من الداخل الإيراني، أبرزها أنه لا يمتلك معرفة كافية بقوانين ولوائح البرلمان الإيراني، تخوله لرئاسة البرلمان، إضافة لعدم خوضه التجربة البرلمانية سابقاً.
في سياق آخر، ورغم سيطرة المتشدّدين على مجلس الشورى، إلا أن الانقسامات كانت واضحة في انتحابات الرئيس. تُرجمت في التحالفات التي نتجت، وبالتالي إن قاليباف بات محطّ اتفاق بين جميع القوى الأصوليّة في البلاد وأبرزها فريق الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد وفريق الحرس الثوري الإيراني الذي ينتمي إليه قاليباف، وكان لافتاً تصريح رئيس القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زادة، الذي أكد ضرورة وجود "مدراء جهاديين" كأمثال قاليباف للتغلب على المعضلات الاقتصاديّة التي تمر بها البلاد.
كل ما سبق يدلّ على انّ الصراع في الحياة السياسية الداخليّة الإيرانيّة عاد للانقسام بين الاصلاحيين والمتشدّدين، مع انخفاض أسهم الرئيس روحاني بعد خيبات الاتفاق النووي الإيراني، مع تنبؤات بقدرة عمدة طهران السابق على الحفاظ على النظام الإداري والعملي للبلاد من الانهيار.