علمت صحيفة "الأخبار"، أن "المفاوضات التي أفضت إلى تمديد مهلة الستين يوماً إلى 18 شباط المقبل، لم تكن وليدة الساعات الأخيرة أول أمس على وقع إراقة دماء أهل الجنوب على مذبح تحرير قراهم"، لكنّ انتفاضة الأهالي أجبرت إسرائيل على "تسريع تراجعه بضغط من فرنسا التي دعمت الجيش اللبناني في موقفه".

وبحسب مصدر مطّلع للصحيفة، فقد "بدأت الاتصالات تتكثّف منذ الاجتماع الأخير للجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بداية الأسبوع الماضي، والذي شهد توتراً بين ممثلي الجيش اللبناني وقوات الاحتلال الإسرائيلي. حينها، أعلنت إسرائيل أنها ستمدد بقاءها في الجنوب إلى 28 شباط المقبل، أي شهراً إضافياً عن مهلة الستين، وهو ما رفضه الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. وبنتيجة المفاوضات التي واكبتها الولايات المتحدة وفرنسا، تم التوصل إلى حل وسط قضى بتمديد المهلة إلى 18 شباط المقبل. وخلال المهلة الجديدة "تلتزم إسرائيل بالانسحاب مما تبقى من بلدات القطاعين الأوسط والشرقي ومن التلال الخمس التي أبلغت سابقاً بأنها لن تنسحب منها لمدة طويلة. إضافة إلى البدء بتسليم أسرى المقاومة السبعة الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال عملية التوغل البري والمواطنين التسعة الذين اعتقلتهم الأحد الماضي بعد دخولهم إلى حولا وعيترون". كما نصّت بنود تمديد المهلة على وقف التفجيرات في البلدات، علماً أن التلال الخمس التي كُشف عنها هي جبل بلاط واللبونة وجبل العزية (بين كفركلا ودير ميماس) والعويضة بين الطيبة والعديسة والحمامص".

وكشفت "الأخبار"، أن "مصير الاتفاق ينتظر مورغان أورتاغوس التي خلفت المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والتي ستصل إلى بيروت الأسبوع الحالي، على أن تشارك في اجتماع للجنة الإشراف، وللبحث أيضاً في دور القوات الدولية التي صُدمت قيادتها بمشهد الأحد، فعمدت إلى تقليص تصعيدها بعد أن أفشل الأهالي خطط المنطقة العازلة الخالية من السكان".

وعلمت "الأخبار" أن قيادة اليونيفل أرسلت إلى قيادة جنوب الليطاني في الجيش تبليغاً بأنها ستقوم بدوريات لمواكبة خطة انتشار الجيش، متراجعة عن طلبها السابق للمساعدة في اتخاذ إجراءات لمنع الأهالي من دخول البلدات الحدودية.

في السياق نفسه، علمت صحيفة "الأخبار" أن "المساعي الأميركية بدأت قبل نحو عشرة أيام، مع بدء العدو تسريب أخبار عن نيته طلب تمديد مهلة الستين يوماً 60 يوماً أخرى، وهو ما برّره الأميركيون بأنه يعود إلى اعتبارات لوجستية تتعلق بالوضع في جنوب الليطاني".

وإلى المزاعم التي صدرت عن إسرائيل بأن التأخير ناجم عن "عدم التزام لبنان والجيش اللبناني بالاتفاق"، قالت صحيفة الأخبار إنه تم تقديم شكاوى إلى لجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق، تشمل معطيات عن أن حزب الله لم يخرج نهائياً من منطقة جنوب النهر، وأن هناك منشآت كبيرة لا تزال موجودة، وأن جيش الاحتلال لم ينجح بعد في إزالة كل ما يعرفه في المنطقة الحدودية. وتبنّى الأميركيون السردية الإسرائيلية بأن الجيش اللبناني مُلزم بالقيام بعملية تفتيش واسعة في كل منطقة عمليات القرار 1701 لإزالة كل البنى التحتية الخاصة بحزب الله. وذهب الأميركيون أبعد من ذلك بنقل معطيات إسرائيلية عن أن حزب الله يعيد بناء ترسانته في مناطق بعيدة عن الحدود، مع إشارات واضحة إلى مراكز في الضاحية الجنوبية طلب الجيش من قيادة حزب الله معاينتها لسحب الذريعة من إسرائيل كي لا يقدم على عمل عسكري ضد الضاحية".

وأضافت الصحيفة "في هذه الأثناء، كان التنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني يجري بصورة طبيعية، وفي كل الاجتماعات التنسيقية التي عُقدت على مستوى الجنوب، سمع ضباط الجيش من المقاومة أنها ملتزمة بتنفيذ الاتفاق، لكنها لفتت إلى أن العدو يريد من الجيش أن يتصرف كحرس حدود للعدو، وأن يخلق بطلباته مشكلة بين الجيش والأهالي. وقالت المقاومة إن ما يقوم به جيش الاحتلال من أعمال تدمير وتجريف لا صلة له بأي عمل عسكري يتعلق المقاومة أو بجبهة القتال".

وتابعت: "الأميركيون من جهتهم حرصوا على فرض سيطرتهم الكاملة على لجنة الإشراف وعملها، وتصرف رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز برعونة، إلى حدّ أنه لم يجد نفسه مضطراً إلى أي تنسيق مسبق مع قيادة القوات الدولية. وتسرّبت شكاوى من قائد القوات الدولية الجنرال الإسباني أرولدو لاثارو يشكو بأنه غير قادر على الاجتماع مع رئيس اللجنة إلا بعد اتصالات كثيفة، فيما يعمل الفريق العسكري والأمني الأميركي الذي زاد عديده في مقر السفارة الأميركية في عوكر، على إعداد برامج عمل يومية تستهدف الضغط على قيادة الجيش اللبناني، وصولاً إلى الاحتجاج على عدم انصياع ضباط من الجيش للطلبات الأميركية، مع الإشارة إلى أن فريق الاستخبارات الأميركية (CIA) الذي تعزّز عمله في لبنان هو على تنسيق يومي مع الأجهزة الأمنية اللبنانية ولا سيما الجيش اللبناني".

وكشفت الصحيفة أنه "مع اقتراب انتهاء مهلة الستين يوماً، بادر الأميركيون إلى طرح المسألة على شكل إعلان تمديد المهلة لفترة إضافية. وبعدما فهموا أن التمديد 60 يوماً جديدة غير ممكن على الإطلاق، طرحوا التمديد شهراً ينتهي في 27 شباط المقبل. وسرّب الأميركيون عبر صبيان السفارة في لبنان بأن الاتفاق أُنجز، علماً أن المشاورات التي شملت الرئيس جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ولاحقاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تضمنت نقاشاً نقدياً، تقرّر إثره إبلاغ الجانب الأميركي بعدم موافقة لبنان على التمديد. فانتقل الأميركيون إلى مستوى جديد من الضغط وصل إلى حد التهديد بعودة إسرائيل إلى الحرب، وربما هذا ما ظهر في النقاشات التي جرت بين المسؤولين اللبنانيين".

في هذه الأثناء، كان حزب الله قد أبلغ بري أولاً، ثم عون وميقاتي، بأنه غير معني بأي تفاوض على تمديد مدة الانسحاب، ولا يعتبر نفسه معنياً بأي خطوة في هذا الاتجاه. وترافق ذلك مع بدء استعدادات أهالي القرى الحدودية لبدء حملة شعبية لتحرير القرى وطرد العدو منها حتى من دون اضطرار المقاومة إلى القيام بأي عمل عسكري، وفق "الأخبار".

وقالت الصحيفة: "يوم الأحد، كان الموعد الفاصل، وجاء بعد ساعات على ما قال الأميركيون إنه "اتفاق تمّ مع السلطات اللبنانية على تمديد المهلة ثلاثة أسابيع إضافية"، مشيرين إلى أنهم طالبوا إسرائيل بعدم القيام بأعمال تدمير وتجريف في القرى الحدودية، قبل أن يطلب الرئيس جوزاف عون من الجانب الأميركي الحصول على ضمانة بإطلاق العدو سراح سبعة مقاومين من حزب الله أسرهم خلال المواجهات".

وأضافت "لكنّ وقائع التحرك الشعبي الأحد أربكت الاتصالات السياسية، فتأخر الإعلان عن اتفاق على تمديد المهلة، إلا أن الجانب الأميركي تصرّف على أساس أن الاتفاق تمّ. لذلك، طلب الأميركيون من قيادة القوات الدولية الاقتراح على قيادة الجيش نشر قوات اليونيفيل إلى جانب الجيش لمنع الأهالي من التقدم إلى القرى الحدودية. لكنّ قيادة الجيش لم تجد داعياً لذلك، وهو ما فسّره الأميركيون ومعهم ضباط من القوات الدولية بأنه "تسهيل من الجيش للأهالي" للتقدم. ومع انطلاق الأهالي باتجاه القرى الحدودية، وتجاوز الحواجز، واضطرار الجيش إلى إبلاغ القيادة بأنه لا يمكن ترك الناس من دون مواكبة وحماية، حاولت إسرائيل فرض واقع من خلال إطلاق كثيف للنار، وتعمّد استهداف الناس مباشرة، ما أدى خلال 12 ساعة إلى استشهاد 23 شخصاً وإصابة أكثر من 125 آخرين وأسر خمسة".

وبعد ضغوط كبيرة، سارع البيت الأبيض إلى الإعلان عن تمديد الاتفاق حتى 18 شباط المقبل، فجرت اتصالات بين الرؤساء الثلاثة هدفت إلى الحصول على أثمان مقابل هذه الخطوة. وتولى رئيس الجمهورية التواصل مع الجانبين الأميركي والفرنسي، وبدأ حركته بإبلاغ رفض لبنان التمديد لأنه ينسف الاتفاق، مشدداً على أنه لا يمكن للبنان، تحت أي ظرف، القبول بأن يبقى أي جندي إسرائيلي بعد 18 شباط. واشترط لبنان أن تنتهي هذه المهلة بإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل وأن تبدأ انسحابها تدريجياً من نقاط تواجدها. وبعد ظهر أول أمس، أُبلغ لبنان بالموافقة على هذه الصيغة التي جرى التفاهم بشأنها، وهو ما أعلن عنه ميقاتي.

لكنّ تصريحات ميقاتي استفزّت رئيس المجلس النيابي، ما اضطره إلى إصدار بيان توضيحي.

وقالت مصادر مطّلعة لـ"الأخبار" إن حزب الله لم يكن جهة في كل هذه المفاوضات، وقد رفض كل الطلبات التي قُدّمت بشأن تمديد المهلة. وأبلغ الجهات الرسمية كافة بأنه غير معني بما تم التوصل إليه، وسيقف إلى جانب الأهالي في التحركات التي يريدون القيام بها لإلزام إسرائيل بالانسحاب، وأن المقاومة سيكون لها موقفها الحاسم. وهو ما ظهر أمس في الكلمة التي ألقاها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.