وسط الظلام الحالك داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وانقطاع الماء والدواء والطعام، وأصوات طلقات الرصاص التي لم تتوقف يومياً من قبل الجيش الإسرائيلي، ومحاولات اقتحام الكنيسة التي باءت بالفشل مراراً وتكراراً، يستذكر مبعدو كنيسة المهد الأيام الصعبة التي عاشوها داخل الكنيسة بعد أن اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، وحاصرت المبعدين داخل الكنيسة في 2/4/2002، وذلك خلال عملية أسمتها إسرائيل "السور الواقي"، إذ كان قرارهم وهم محاصرون الصمود وعدم تسليم أنفسهم للاحتلال، رغم الممارسات القمعية التي نفذها بحقهم، ووصفهم بـ"الإرهابيين".
وأبعدت إسرائيل من الضفة الغربية المحتلة 26 فلسطينياً إلى قطاع غزة و13 إلى الدول الأوروبية، بعد أن تم إبرام صفقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، تنص على إبعادهم لمدة عامين فقط، من أجل إنهاء حصار الكنيسة الذي دام 39 يومًا، إلا أنّ الإبعاد استمر حتى اللحظة بسبب تنصل إسرائيل من الاتفاق وإهمال السلطة الفلسطينية لقضيتهم، كما يقول المبعدون أنفسهم.
أوضاع كارثية
يصف المبعد إلى غزة والناطق باسم المبعدين فهمي كنعان أوضاع الموجودين في غزة بالكارثي، مع استمرار الابعاد، وفي ظل منع أهاليهم من زيارة أبنائهم في قطاع غزة، خصوصاً وأنّ الكثير منهم فقدوا أمهاتهم وأباءهم وهم في الإبعاد.
وفي حديث لـ"النشرة"، لفت المبعد كنعان إلى عدم وجود موعد محدد للعودة إلى الضفة الغربية، الأمر الذي يزيد من معاناة المبعدين، ويجعلهم يعيشون في حالة عدم استقرار على المستوى النفسي والاجتماعي، فضلاً عن منع زوجاتهم من زيارة أهاليهم في الضفة.
لحظات صعبة
ويستذكر كنعان اللحظات الصعبة التي عاشوها داخل كنيسة المهد، بعدما مارس الاحتلال الإسرائيلي كافة الأساليب النفسية والعسكرية ضد المحاصرين، إذ يقول: "إن طلقات النار لم تتوقف لحظة إضافة لمنع دخول العلاج والطعام، وانقطاع الماء والكهرباء، وكنا نشرب من المياه الموجودة في الآبار القديمة التي لا تصلح للشرب".
ويشير كنعان إلى أن رجال الدين المسيحيين كانوا يعملون ما باستطاعتهم من أجل الدفاع عنهم، لافتا إلى أنهم رفضوا العروض الإسرائيلية بتسليم أنفسهم، ووقفوا إلى جانبهم في كافة الأيام الصعبة. ويتابع: " كانوا يتواصلون معنا دائماً وكنا نتقاسم الطعام ببيننا وبينهم، وخلال يوم كامل كان لكل محاصر كأس ماء وبها قليل من الرز، وطول فترة الحصار ونحن بهذا الشكل".
وكان ما يُقارب 250 فلسطينيًا قد اختبأوا في كنيسة المهد خلال اشتداد المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي واجتياحه مدينة بيت لحم، وأغلب مدن الضفة الغربية المحتلة، إذ أبعدت إسرائيل 39 منهم آنذاك ووصفتهم بأنّهم "إرهابيون".
إهمال وتواطؤ
في المقابل يعبر المبعد إلى غزة ناجي عبيات، عن شعوره بالحزن والأسى على المرحلة التي وصلوا إليها في غزة، في ظل ما يسميه "تواطؤ" السلطة الفلسطينية تجاه قضيتهم، وعدم طرحها على الجانب الإسرائيلي بشكل دائم، على حد قوله.
ويلفت عبيات في حديثه مع "النشرة" إلى أنهم أصبحوا منسيين ولا أحد يتذكرهم، لافتا إلى بينهم حالات مرضية واجتماعية صعبة، مشيرا كذلك إلى أن كافة المبعدين محرومون من رؤية أهاليهم بكافة الأشكال.
ويقول عبيات: "نحن قدمنا للأردنيين طلب زيارة أهالينا هناك وتم رفض الطلب، في وقت يحصل الأسرى الفلسطينيون، بموجب صفقة شاليط، على تنسيق للسفر إلى الأردن لأربعة أسرى محررين كل أسبوع، ويرون أهاليهم، لكن نحن كمبعدي كنيسة المهد مر علينا 12 سنة ونحن نناشد الرئيس والمسؤولين أن يتحدثوا مع الاردنيين كي نتمكن من زيارة أهالينا على الأقل لأيام، ولكن لا أحد يهتم فينا".
تهميش واضح
ويؤكد المبعد عبيات أن هناك تهميشا واضحا لقضيتهم من قبل السلطة الفلسطينية التي لم تتجاوب معهم حتى في الحالات الإنسانية، حسبما قال، لافتاً إلى أنّ فلسطينيين متضامنين معهم قاموا بتعليق صورهم في ذكرى إبعادهم العام الماضي في بيت لحم وتمت إزالتها على وجه السرعة، ما يضع علامات استفهام كثيرة على قضيهم وحالهم.
ويسأل المبعد عبيات: "هل نحن أصبحنا عالة على المجتمع في بيت لحم؟" قبل أن يضيف: "جميع المبعدين ضحوا وناضلوا وقاوموا ولهم أبناء شهداء وأسرى، ولذلك نحن نستغرب وتستهجن ما تقوم به السلطة من اهمال لقضيتنا".