وزير الثقافة غابي ليون بصدد اتخاذ قرار باستملاك مشروع «لاندمارك». الخبر الذي شكّل مفاجأة لمهتمين بما تبقى من آثار بيروت، قوبل بالتشكيك ووضع في خانة «تلميع الصورة». لكن القرار في حال ثبتت صحته سيفتح النقاش واسعاً حول ميزانية وزارة الثقافة وقدرتها على مواجهة استثمارات الـ«داون تاون»
من قال إن في حكومة تصريف الأعمال لا تحصل العجائب؟ العجيبة هذه المرة تجسدت في خبر ورد في موقع «النشرة» يشير الى أن وزير الثقافة غابي ليون بصدد اتخاذ قرار باستملاك مشروع «لاندمارك» في ساحة رياض الصلح الذي تبلغ مساحته 7500 متر مربع. وأفادت «النشرة» أن ليون سيرفع مشروع الاستملاك إلى مجلس الوزراء، على رغم أن الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال. ويشكل قرار ليون، إذا ثبتت جديته، خطوة رائدة تحتاج الى رصد ميزانية ضخمة من الخزينة اللبنانية، لكون العقار المذكور يقع في منطقة مرتفعة الاستثمار.
قرار ليون باستملاك عقارات في وسط بيروت ليس الاول من نوعه، إذ أعلن في قرار سابق أن مديرية الآثار تنوي استملاك عقار يقع خلف مبنى جريدة «النهار» ويشكل امتداداً للتل الفينيقي الشهير. لكن أياً من هذه القرارات لم يناقش في مجلس الوزراء. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بليون لكن خطه كان مقفلاً.
وتعاني مديرية الآثار من فوضى عارمة بغياب المدير العام الأصيل، ووصلت النزاعات داخل المديرية الى حد رفع دعاوى قضائية وإخبارات الى النيابة العامة على خلفية تفكيك مواقع أثرية من قبل شركات خاصة، من دون تسجيل تقارير علمية في ديوان المديرية وفق الاصول، إضافة الى تفلت مستودع المديرية في كورنيش النهر من أي رقابة إدارية.
وكانت شركة «لاند مارك ش.م.ل.» أعلنت عام 2005 نيتها تشييد مشروع متعدد الاستخدامات على العقار الرقم 1520 الباشورة، في ما كان يعرف بساحة السور في وسط مدينة بيروت. وقد وضع المعماري الفرنسي جان بيوفيل مجسم المشروع الذي تقدر كلفته بحوالى مليون دولار والمملوك من مجموعة من المستثمرين الكويتيين واللبنانيين، بينهم حمد محمد عبد العزيز الوزان والشيخة سعاد حمد الصالح الحميضي وأحمد عفيف بعدراني وزياد إبراهيم الشعار وصلاح الدين الدباغ وشركة «أنجفة» العقارية.
ويتألف المشروع الذي تصل مساحته الإجمالية الى نحو 120.000 متر مربع من فندق خمس نجوم (برج من طابقاً)، ومجمع تجاري وشقق.
وكانت المديرية العامة للآثار أعلنت في عام 2010 أنها تجري حفريات استباقية إلى حين الوصول الى الطبقات الأثرية. ويعمل في المشروع فريق عمل شركة خاصة برئاسة كريستين مطر. وفي المراحل الاولى من أعمال الحفر، تم اكتشاف قسم من سور أثري يعود إلى الحقبة الرومانية، وتحديداً الى النصف الثاني من القرن الأول الميلادي. كذلك اكتشفت مدافن تعود الى القرن السابع على عمق ثلاثة أمتار ونصف المتر، حيث تم نقل 34 هيكلاً عظمياً إلى مختبرات المديرية في تحويطة النهر من أجل تحليلها ودراستها. وقد أثارت عملية نقل الهياكل العظمية غضب دار الافتاء التي طالبت بمراعاة حرمة الاموات، وتمت تسوية قضية المقبرة الاسلامية لاحقاً بالاتفاق على نقل العظام الى مقبرة تابعة للاوقاف.
مصدر في شركة «لاند مارك» رفض الكشف عن اسمه، قال في اتصال مع «الأخبار» إن الشركة لم تتبلغ رسمياً قرار وزارة الثقافة بالاستملاك، وإنها تنتظر ورود تقرير من المديرية العامة للآثار يفنّد الآثار المكتشفة، وستتخذ الشركة موقفها بناءً على هذا التقرير.
واللافت أن مديرية الآثار وجهت دعوة الى علماء الآثار في عدد من الجامعات الخاصة لزيارة الموقع قبل أسبوعين برفقة الوزير ليون. وأعلن المشرف على أعمال الحفر في بيروت أسعد سيف أن المديرية ستكمل أعمال الحفر تمهيداً لوضع تقرير يوضح كامل الآثار المكتشفة وطريقة التعاطي معها.
ويتخذ عدد من الآثاريين الذين شاركوا في الجولة موقع الخصومة مع الوزير ليون بسبب استبعادهم عن اللجنة العلمية التي شكلها الوزير السابق سليم وردة، وتشكيل لجنة جديدة أجازت في العامين الماضيين جرف وتفكيك عدد من المواقع الأثرية أشهرها المنشأة البحرية في منطقة ميناء الحصن، وميدان سباق الخيل الروماني المكتشف في منطقة وادي أبو جميل.
الآثاري أنيس شعيا أكد لـ«الأخبار» أن الجولة على الموقع بيّنت وجود العديد من الآثار المكتشفة، وأن أعمال الحفر لم يتم إنجازها بالكامل، لافتاً الى أن علماء الآثار لن يتورطوا في تقديم رأيهم شفهياً الى مديرية الآثار، بل يفضلون كتابة تقرير علمي مفصل عن الموقع، كي لا يتم استغلال أسمائهم في مرحلة لاحقة، خصوصاً إذا تراجعت المديرية عن قرارها بحفظ الآثار في موقعها.
ولفت شعيا الى أن الجولة الميدانية أظهرت وجود بقايا بوابة رومانية تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد يعتقد أنه المدخل الجنوبي للمدينة القديمة. ويوافق شعيا على المقارنة التي أجراها خبراء بين هذه البوابة وبوابة Dura-Europos في مدينة صالحية الفرات في منطقة دير الزور شرق سوريا.
عضو «التجمّع للحفاظ على التراث اللبناني» رجا نجيم أكد لـ«الأخبار» أن الآثار المكتشفة في الموقع تضم بازيليك بيزنطياً مع فسيفساء يعتقد أنها تعود الى القرن الرابع الميلادي، إضافة الى بقايا ممرات وحمام روماني وقناة لجر المياه وبرج لحماية المدينة. وشكك نجيم في قرار ليون استملاك العقار أو أجزاء منه، خصوصاً أن الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال. ووضع التسريبات الاعلامية التي تتحدث عن استملاك موقع «لاندمارك» في باب «تلميع صورة ليون بعد أن قام ببرودة أعصاب بتدمير المرفأ الفينيقي وتفكيك ميدان الخيل الروماني، إضافة الى إجازة تدمير مبنى مدور الذي عاش فيه الأديب أمين معلوف». وسأل نجيم عن أعمال التفكيك التي جرت في موقع District S وموافقة ليون على تفكيك المسرح الروماني والجزء الشرقي من ميدان الخيل الروماني وتوكيل عالم الآثار الهولندي هانز كورفرز القيام بهذا العمل رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بطريقة عمله.