لا يُخفي رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، في مجالسه الخاصة، تأثّره بعدة جوانب من التجربة الديموقراطية الغربية. عبّر عن ذلك عدة مرات عشية بحثه، إثر عودته من باريس عام 2005، عن الشكل التنظيمي الأفضل لحزب التيار الوطني الحر، ويعود إلى تلك التجارب قبيل كل انتخابات نيابية. وخلاصته على هذا الصعيد أنّ تغيير المرشحين على القوائم الانتخابية يفيد التيار. فبغض النظر عن أداء بعض النواب والمرشحين السابقين، يفضل الناخبون التغيير، كما خلصت الدراسات الغربية التي يتابعها الجنرال. ورغم الغموض الذي لفّ لوائح التيار التي تدحرجت أمس بين المتدافعين العونيين إلى وزارة الداخلية، بدأت ملامح «التغيير والإصلاح» العونية تتضح. وتجدر الإشارة هنا إلى غدر الجنرال بكل الشائعات التي سبقت انتخابات 2009 عبر إبقائه لوائحه على ما كانت عليه، تقريباً، عام 2005.

الثابت الوحيد في لوائح التيار، يقول أحد النواب، هو العماد عون. ويرافقه مبدئياً «رباعي» يحظى عناصره في الاستطلاعات بلقب «الأول في منطقته»: النائب ألان عون في بعبدا، النائب سيمون أبي رميا في جبيل، النائب إبراهيم كنعان في المتن، والنائب زياد أسود في جزين. والخمسة يشغلون مقاعد مارونية. ينضم إليهم خمسة مرشحين ثابتين أيضاً، هم: الوزير جبران باسيل في البترون، الوزير نقولا الصحناوي في الأشرفية، سيزار أبي خليل وأنطوان الزغبي في عاليه، مسعود الأشقر في الأشرفية وسليم عون في زحلة. ويصدف أن الخمسة هؤلاء أيضاً يتطلعون إلى شغل مقاعد مارونية. أما سائر النواب والمرشحين، فجميعهم ـ من دون استثناء ـ «معلقون وغير مطلقين».

بين عون وفرنجية

البداية من عكار. لا لائحة عونية صرفاً هناك، بل لائحة مدعومة من التيار. لا أمل للعونيين في الفوز بمقعد نيابي في حال بقاء قانون الانتخاب الستيني على حاله، لكن صناديق عكار ترفع عموماً نسبة التأييد المسيحي للتيار الوطني الحر. عام 2009 على غرار 2005، تبنى عون ترشيح النائب السابق مخايل الضاهر عن المقعد الماروني، رغم انعدام «الكيميا» بينهما، وعونياً المرشح الأرثوذكسي جوزيف شهدا. إلا أن الرابية أوعزت أخيراً إلى منسقيها السابقين في عكار جيمي جبور وارنست الحاج التقدم بترشيحيهما. واستثنت «قبياتي» رابعاً يدور في فلكها هو المحامي جوزف مخايل الذي سيتقدّم الاثنين بترشّحه، رغم تأخر اتصال الجنرال لإعلامه بوجوب الترشح. وفي اليوم نفسه سيتقدم المرشح العوني السابق جوزف شهدا بترشحه، رغم اتصال عون عصر أمس بالمرشح أسعد درغام ليسأله عمّا لا يزال يفعله في كندا ويطالبه بالعودة السريعة للترشح. أما في البترون، فزحمة المرشحين العونيين خفيفة جداً، خلافاً لغالبية الدوائر. ومفاجأة أمس كانت إيعاز تيار المردة إلى منسقه السابق في البترون وضاح الشاعر بالترشح عن أحد المقعدين اللذين يترشح عن أحدهما باسيل. والشاعر من بلدة تنورين. وكان لافتاً «اكتفاء» المردة بمرشح واحد، بعد أن مالت أجواء الحزب الأخضر قبل يومين إلى ترشيح المهندس سليم نجم إلى جانب الشاعر عن مقعدي البترون المارونيين، مع تأكيد المقربين من باسيل أنه يفضل الترشح منفرداً.

في الكورة، بثّ إعلان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري عدمَ ترشحه في الانتخابات المقبلة الحماسة في الماكينة العونية. استؤنف العمل الحزبي أخيراً، على وقع إعلان تيار المردة اهتمامه الشخصي المباشر بتفاصيل الكورة وتكليف النائب سليمان فرنجية الوزير السابق يوسف سعادة التفرغ لمعالجة خاصرة زغرتا «الرخوة ». ورغم تشكيك حلفاء التيار، وخصوصاً الحزب السوري القومي الاجتماعي، في جدوى إثقال اللائحة العونية بمرشح عوني، ثبت أنه لا يجيّر للائحة كمّاً كبيراً من الأصوات، طلبت الرابية من مرشحها السابق المحامي جورج عطا الله تقديم أوراقه، وهو سيتوجه لهذه الغاية الاثنين إلى وزارة الداخلية. أما زغرتا، فلم يبرز أمس وقبله ترشيح أي عوني لـ«زكزكة» فرنجية الذي حسم كما يبدو من ترشيحات المردة أمس استبدال نفسه بابنه طوني، محافظاً على الوزير سليم كرم عن يمينه والنائب اسطفان الدويهي عن يساره. وفي بشري لم تتضح خطة العونيين والمردة، وسط تأكيد أحد المطلعين أن خطتهما المحكمة تقضي بعدم رسم خطة لإلهاء جعجع قليلاً والتسليم له بمعقله.

أما دوائر جبل لبنان، فأولها جبيل المحكومة باستثناءين: الأول سيمون أبي رميا الذي لا ينازعه أحد على مقعده، والثاني النائب وليد خوري الذي فرض نفسه، سواء في بلدته عمشيت أو عموماً في جبيل، رقماً صعباًَ لا يمكن تجاوزه. ثالثهما النائب عباس هاشم (عن المقعد الشيعي) الذي تجاوز الهجوم على مقعده كل التقديرات بحيث تهافت أمس أكثر من عشرة مرشحين غالبيتهم من المقربين من التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل إلى تقديم ترشيحاتهم.

«مفاجآت» كسروان والمتن

بدورها، لا تشبه كسروان أياً من الدوائر المحيطة بها، لا لأنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح يترشح فيها فحسب، بل لعدم وجود مرشح قوي تشعر القاعدة العونية بعدم قدرتها على الاستغناء عنه. يهندس الجنرال لائحته على نار هادئة هناك، مدركاً أن عيون الخصوم مسلطة صوب هذه المنطقة خصوصاً، بهدف «كسره» لإظهار تراجع شعبيته. المرشحون العونيون كثر. أما أضعف الحلقات كما تشير أحاديث العونيين، فهي حلقتا النائبين نعمة الله أبي نصر وجيلبيرت زوين اللذين لم يظهرا والنائب العوني يوسف خليل حماسة في العمل، ولا واكبوا عون في معاركه السياسية. وإن صحّت توقعات رجال الرابية، فإن اللائحة العونية بالرغم من تقديم أبي نصر أمس ترشحه، ستكون كالآتي: عون، النائب فريد الياس الخازن، رئيس بلدية جونية السابق جوان حبيش خلفاً لنعمة الله، رئيس بلدية عرمون السابق روجيه عازار خلفاً لزوين والإعلامي جورج قرداحي خلفاً لخليل. والجدير بالذكر أن حبيش وعازار وقرداحي تقدموا بأوراقهم بطلب من الرابية، علماً بأنّ حبيش أصبح في حكم «المحسوم» لتمايزه عن رفيقيه بشبكة من الخدمات والأصوات الكسروانية غير القليلة.

تتتالى المفاجآت على طول الطريق المؤدي إلى المتن الشمالي. يمثل هذه الدائرة ثمانية نواب، يسمي التيار الوطني الحر ستة منهم، والحزب السوري القومي الاجتماعي مرشحاً والطاشناق مرشحاً. والمعركة، على غرار كسروان وخلافاً لجبيل وبعبدا، «على المنخار». النائب كنعان ثابت، وممثل الطاشناق هاغوب بقرادونيان ثابت أيضاً شأنه شأن النائب القومي غسان الأشقر. وبين النواب والمرشحين شبه الثابتين في حسابات الرابية، كان هناك النائبان نبيل نقولا وسليم سلهب أيضاً، لكن مفاجأة أمس أطاحت تلك المعادلة: رئيسة حزب «الديموقراطيّون الأَحرار» ترايسي داني شمعون ستترشح في المتن عن أحد المقعدين المارونيين الباقيين: مقعد نقولا أو مقعد سلهب. ووفقاً للعونيين، فإن مهمة ترايسي الأساسية شدّ عصب بقايا الشمعونيين على غرار ما فعله سلهب في دورتين متتاليتين مع الكتلاويين. إلى جانب الموارنة الأربعة، أرثوذكسيان. أولهما بلا شك النائب غسان مخيبر وثانيهما رئيس بلدية ضهور الشوير السابق الياس بو صعب بدلاً من الفنان غسان الرحباني. الاثنان ثابت ترشيحهما حتى الساعة، إذا لم يطرأ تعديل ما لمصلحة القيادي في التيار الوطني الحر المحامي أنطوان نصر الله. أما كاثوليكياً، فلم يعرف بعد من سيخلف النائب إدغار معلوف: ابن شقيقه إدي، أو عضو الهيئة التأسيسية في التيار الدكتور شارل جزرا، أو نائب رئيس الاتحاد اللبناني للفروسية جورج عبود، في ظل تمايز عبود عن زميليه في الترشح بمحاولته الإثبات للجنرال أنه قادر على رفد لائحته بأصوات من خارج صندوق التيار.

أمر الجنرال

خلافاً للمتن، يخفّ وهج المعركة السياسية في قضاء بعبدا. الأحوال هنا هادئة والنواب الثلاثة كذلك. وعلى عكس باقي المناطق، يسود الودّ علاقة كل من ألان عون وناجي غاريوس وحكمت ديب. لا «حرتقات». ورغم ذلك، برز اسم رابع البارحة أوحى بأن تغييراً قد يطرأ على «الثلاثي» البعبداوي عبر ترشيح الناشط العوني فؤاد شهاب واعتماده نهائياً بعد تقديمه أمس ترشّحه، ما يعني إحلاله محل ديب أو غاريوس. فيما تقدّم النائب عن المقعد الدرزي فادي الأعور أمس بترشّحه، رغم الشائعات الكثيرة عن عدم اتجاه الرابية إلى تجديد ولايته، لكن لم يبرز حتى الساعة أي مرشح بديل.

أما أم المعارك، الأشرفية، فلم تتح جديتها وخطورتها هذا العام للجنرال الإطالة في المناورة على المرشحين: إلى جانب مرشحي الطاشناق، أعد مسعود الأشقر أوراقه، وسبقه إلى تقديمها «التوأمان» نقولا الصحناوي وزياد عبس الذي يشيع أن الجنرال حسم أمر اختياره، من دون أن يؤثر ذلك على تقديم رجل الأعمال الذي يدور في فلك التيار أيضاً نقولا تويني ترشيحه.

وفي جزين التي لم يوفق التيار سابقاً باختيار غالبية نوابها، يتوقع تغيير النائب عصام صوايا الذي يقضي معظم أوقاته خارج الأراضي اللبنانية. أما الحلو، فكان العونيون يتوقعون قبل غيرهم تغييره لصعوبة اجتماعه والنائب زياد أسود، ولو في صورة فوتوغرافية واحدة غداة إعلان اللائحة، لكنه تقدم أمس بترشّحه، فيما لم تتصل الرابية برئيس لجنة المناطق والخدمات في الرابطة المارونية أمل أبو زيد لتطلب منه الترشح. ورغم ذلك تقدم أبو زيد بأوراق ترشّحه. ويتوقع أن يحل على اللائحة العونية أيضاً سليم الخوري ابن النائب السابق أنطوان الخوري محل صوايا، أي على المقعد الكاثوليكي.

يوحي كل من يتردد إلى الرابية بأن جنرالها مرتاح كما لم يسبق له من قبل. لا ضيق الوقت الباقي حتى الاستحقاق الانتخابي يوتّره، ولا أمر الستين الواقع. في حساباته، انقلاب حزب القوات «الأرثوذكسي» سيترجم حتماً أصواتاً في الصناديق البرتقالية مهما حاول رئيس الحزب سمير جعجع إنكار «خيانته». لا بطريرك يدعى نصر الله صفير قادر على تجييش الرأي العام في اللحظات الأخيرة هذه المرة، ولا حلفاء قادرون على رفع رصيد جعجع المسيحي. لم تعد معركة ربح وخسارة في القاموس العوني بقدر ما هي إثبات لصوابية خيارات عون. وفي قلب هذا الصراع، يصبح الحديث عن مرشحين أمراً ثانوياً، ما دام الأمر الرئيسي بيد عون حصراً.