يتناقل القطريون بثقة أن شعار «شكراً قطر» سيرتفع مجدداً، ليس في لبنان فقط، بل في سوريا أيضاً. الإمارة التي انتصرت للمقاومة في عدوان تموز وعوّضت على شعبها مالياً في إعادة إعمار الجنوب، تعود تدريجياً إلى محور الممانعة. دوافع المصلحة كثيرة ومتبادلة: اللبنانيون والسوريون يطمحون للاستفادة من نهضة قطر. أما القطريون فيطمحون للاستفادة من إعمار سوريا حجراً وبشراً وقراراً.
ليس قصر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فوق إحدى تلال عاليه، وحده من ينتظر عودة «الأمير الوالد» (كما بات يُسمّى في قطر بعد تنحيه لصالح نجله الأمير تميم). بل ربما ينتظره أيضاً قصره في دمشق، بعد طول غياب. في الفترة الأخيرة، تدور حسابات السياسة القطرية بين المحاور في محاولة، ربما، لكي تحط مجدداً في المحور الذي ضمّ سابقاً الإمارة الصغيرة إلى اللاعبين الإقليميين، تمهيداً لاستعادة مجد زمن «شكراً قطر».
منتصف الشهر الفائت، زار مساعد وزير الخارجية القطري محمد الرميحي العاصمة الإيرانية، وحلّ فيها ضيفاً استثنائياً برتبة مبعوث خاص من الأمير تميم بن حمد آل ثاني، على رأس وفد أمني ودبلوماسي رفيع. وعقد، على مدى يومين، لقاءات مع كبار المسؤولين في مقدمهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في إطار الاجتماع الأول للجنة السياسية المشتركة التي تشكلت بين البلدين. وعلى جدول الأعمال جرى البحث في التنسيق المشترك للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومكافحة الإرهاب، واعتماد الدوحة على النقل البحري عبر إيران في حال نفّذت البحرين والإمارات والسعودية تهديداتها بإغلاق حدودها البرية والجوية معها. ويوم الاثنين الفائت، تسلم أمير قطر، من السفير الإيراني في الدوحة محمد جواد آسايش، رسالة خطية من الرئيس الإيراني حسن روحاني تتضمن دعوة لزيارة إيران، بحسب ما أفاد بيان الديوان الأميري. وبعد يومين، حضر مساعد وزير الداخلية الإيراني للشؤون الأمنية علي عبد اللهي على رأس وفد، لتمثيل إيران في التوقيع على محضر اجتماع اللجنة. فيما مثّل قطر المدير العام للأمن العام اللواء سعد بن جاسم الخليفي.
انعكاس التقارب الإيراني ــــ القطري تخطى الخليج نحو بلاد الشام. تبددّت فزاعة ترحيل اللبنانيين على خلفيات مذهبية وسياسية. نهاية الشهر الماضي، استأنفت الدوحة منح تأشيرات زيارة وسياحة للبنانيين (تأشيرات العمل لا تزال معلقة) بعدما علقتها على نحو شبه كامل منذ بدء الأزمة السورية. وزير الخارجية خالد العطية وعد نظيره اللبناني جبران باسيل، خلال لقائهما في القمة العربية الشهر الماضي في الكويت، بتسهيل أمور اللبنانيين وحركة دخولهم. ووفقاً لتعميم خاص أصدره باسيل، بدأت السفارة اللبنانية في الدوحة بتلقي مراجعات اللبنانيين الذين تواجههم مشكلات قد تؤثر على عملهم وإقامتهم. على أن تتولى معالجتها مع السلطات الرسمية المعنية.
مصادر مطلعة في الجالية اللبنانية في قطر نقلت تأكيدات من كبار المسؤولين القطريين بأن «لا ترحيل جماعياً جديداً للبنانيين»، مذكّرة بتوقعات الأمير تميم أمام وفد حكومي لبناني برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي زاره نهاية تشرين الثاني الفائت، بتضاعف عددهم من 25 ألف شخص إلى خمسين ألفاً. ولفتت المصادر الى أن الـ «30 شيعياً» الذين تقرر ترحيلهم نهاية العام الماضي، لا يزالون في الدوحة يتابعون حياتهم الطبيعية، بعدما ألغت السلطات قرارها. وأشارت الى أن اللمسات اللبنانية حاضرة في كل مكان في الدوحة: «هناك عشرات المحال التجارية والمطاعم، فيما تساهم شركات مقاولات ومكاتب استشارية هندسية في ورشة تأهيل البنى التحتية الضخمة التي تشهدها الإمارة في إطار خطة النهضة الاستراتيجية (2030)».
سوريا أيضاً ليست أقل حضوراً، بشرياً واقتصادياً. الرموز الشامية تعلو يافطات المطاعم والمحال. بعضها يعود لمؤيدين للنظام السوري. فيما لا يزال أقرباء شخصيات محسوبة على النظام يقيمون في قطر ويتابعون أعمالهم من دون أن يتأثروا بالمقاطعة السياسية بين البلدين. ورغم أن هؤلاء يمارسون التقية السياسية، إلا أن توجهاتهم لا تخفى عن الأجهزة الأمنية. مع ذلك، لم يسجل ترحيل سوري، لكن تأشيرات الزيارة والعمل ودخول النازحين ما تزال متوقفة.
في المقابل، يخطط عدد من رجال الأعمال القطريين لحجز مكان لهم في عملية إعادة إعمار سوريا، واثقين من تبدل المواقف السياسية. لا يعتبر المراقبون أن المواقف القطرية تعكس تخبطاً لدى القيادة، بل محاولة لإمساك العصا من النصف. قبل أيام، استضاف الشيخ تميم اللبنانيين الأحد عشر من محرري أعزاز، استضافة أميرية. وأمام من يدرك انتماءاتهم المذهبية والسياسية، عبّر عن حبه للبنان والشيعة تحديداً. أمامهم أيضاً تعهد ببذل الجهود لتحرير المصور في «سكاي نيوز» العربية اللبناني سمير كساب وزميله الصحافي الموريتاني إسحاق مختار. حالياً، تجري التحضيرات لاستضافة مماثلة لراهبات معلولا اللواتي ساهمت قطر في إطلاق سراحهن مطلع آذار الفائت.