انفرجت اسارير لمغتربين لدى الإعلان عن تنظيم وزارة الخارجية والمغتربين أول مؤتمر حول الدبلوماسية الاغترابية «الفاعلة». لكن اتضح بأن المؤتمر الذي شكل إحدى بنات أفكار الوزير جبران باسيل، تعامل مع الدبلوماسيين كمسوّقين في شركات خاصة.
خائبين، خرج رؤساء البعثات اللبنانية من مؤتمر «الدبلوماسية الاغترابية الفاعلة»، الأول من نوعه، الذي دعتهم وزارة الخارجية والمغتربين للمشاركة فيه. بين الفعاليات التي امتدت طوال أربعة أيام واختتمت السبت، انتظروا الفرصة لإثارة أو سماع الحاجات والمشكلات التي يعانيها ملايين اللبنانيين المنتشرين حول العالم. لكنهم لم يجدوا سوى صورة وزيرهم جبران باسيل وصوته يتحدث في واد آخر. لم يكن سلف الأخير، عدنان منصور، وحده المندهش من المنحى الجديد الذي تتخذه الوزارة في العهد الباسيلي، بل إن «فقدان الأصول واللياقات الدبلوماسية المتعارف عليها وتجييش الوزارة لأهداف انتخابية ومناطقية وتجنيسية وطائفية وفئوية» التي انتقدها منصور، شوهدت خلال المؤتمر بأم العين.
عدد من رؤساء البعثات المشاركين نقلوا لـ«الأخبار» استغرابهم لاقتصار دعوة الوزارة على 50 بعثة فقط حول العالم، متسائلين عن المعايير التي اعتمدت لدعوة بعثات دون غيرها؟ لكن الاستغراب سرعان ما تحوّل إلى صدمة لدى البعض إثر دخولهم إلى قاعة المؤتمر في جلسة الافتتاح، الأربعاء الفائت في فندق فينيسيا.
إذ اكتشفوا أنهم استدعوا في الباصات من الفنادق التي نزلوا فيها، كجمهور لحضور مؤتمر منفصل (منتدى بيروت للفرانشايز)، نظمته الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز. خلال ترؤسه جلسة الدبلوماسية الاقتصادية، دعا باسيل رؤساء البعثات الذين لم يلتقهم مسبقاً، إلى «التشجيع على الاستثمار والسياحة في لبنان وتسويق المنتجات والشركات والماركات اللبنانية في الخارج وتظهير صورة لبنان وحاجات مؤسساته الاقتصادية والمالية». ولفت نظرهم إلى أن تحقيق تلك الأهداف «يستلزم إرسال تقارير اقتصادية دورية بين الإدارة المركزية والبعثات وتعميمها على من يلزم من الهيئات والجهات الاقتصادية والاغترابية المعنية والعمل الدؤوب مع الجاليات اللبنانية للاستفادة من خبراتها وعلاقاتها ونفوذها...». انقضى اليوم الأول من دون أن يتاح لرؤساء البعثات التحدث أو المشاركة. فلم يؤخذ رأيهم في أمر تسويق المنتجات اللبنانية على سبيل المثال، وسط غياب لممثلين عن النقل البحري والبري والجوي في المؤتمر، لإطلاق نقاش جدي حوله.
اليوم الثاني لم يكن أفضل. وجد الدبلوماسيون أنفسهم جمهوراً لمؤتمر نظمته المؤسسة اللبنانية للانتشار التي خصصت كلمة طويلة لباسيل. ولأن المنبر ليس لهم، استمعوا إلى توصيات بضرورة تجميع المنتشرين المسيحيين واستعادة جنسيتهم. وتوقف باسيل عند ضرورة إعادة النظر بمرسوم التجنيس الصادر عام 1994 وخطر النزوح السوري «الذي يهدد وجود الكيان اللبناني». الكلمات استفزّت وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان حاضراً، فاعترض على «المقاربة الخاطئة للاغتراب». لم يعط رؤساء البعثات الإذن بالتعليق على تلك القضية، بل أوعز إليهم بالتفتيش عن المسيحيين بين الجاليات وإعادتهم إلى حضن الكيان. ولفت باسيل إلى أن همّ الوزارة حالياً إطلاق لوبي اغترابي لاستعادة الجنسية. في هذا الإطار، وزع على رؤساء البعثات تعميم بالتحضير لمؤتمر اغترابي لأبرز فعاليات الجاليات اللبنانية في العالم ينظم أواخر الشهر الجاري. مهمتهم تقتصر على إعداد لائحة بأبرز الوجوه التي من المفيد دعوتها، على أن توجه لها الوزارة الدعوة بشكل مباشر وليس عبر السفارات. كما اطلعوا على نية الوزارة إنشاء موقع على شبكة الإنترنت يخصص لتفاعل المغتربين المدعوين لإرسال قصص نجاحهم. على هامش المؤتمر، جلس باسيل إلى رؤساء البعثات في جلسة مغلقة إطارها التعرف إليهم: الاسم والبلد الذي يمثل.
إحدى فعاليات اليوم الثالث كانت جلسة إدارية حوّلت إلى منبر حر يستطيع رؤساء البعثات التعبير عن آرائهم فيه، لكن بشروط: عدم التطرق إلى خصوصية مشكلات كل بعثة. تلك الجلسة كانت قصيرة لصالح الوقت المخصص لزيارة كل من رئيسي الجمهورية والحكومة. الرئيس ميشال سليمان لم يتل عليهم مواقف الدولة السياسية التي عليهم أن يلتزموا بها حول العالم، بل بث مواقفه الشخصية وروج لعهده المنتهي، مع احتفاظ باسيل بحصته على المنبر. في الجلسة السياسية المغلقة التي أقفل باسيل الباب عليه وعلى المشاركين، لم تأت بجديد. أعاد عليهم مواقفه من الكيان اللبناني والنزوح السوري، محذراً «المسلمين بضرورة التنبه في حال فلّوا المسيحيين من لبنان».
وكان يوم الختام قد خصص لزيارة قائد الجيش جان قهوجي ثم لقاء في قصر بسترس مع وزيري السياحة والطاقة. الأخير دعا إلى فتح باب الاكتتاب في قطاع النفط أمام المستثمرين من المنتشرين اللبنانيين بنسبة 49 في المئة.
الخيبة كانت كبيرة لدى المشاركين الذين أسفوا لاستثمار المؤتمر الأول من نوعه، لأهداف فئوية لباسيل وفريقه السياسي. وتساءلوا عن حصة مشاكل الجاليات الفعلية من التأشيرات إلى الوسوم القنصلية وتقييم العمل الإداري القنصلي والإمكانات المتاحة للسفارات إلخ...