بعد أن عاش لبنان سنوات طويلة في السابق تداعيات الفتنة المسيحية-الاسلامية، نراه منذ نحو عقد من الزمن، يعيش هاجس الفتنة السنية-الشيعية مع كلّ ما تحمله من مخاطر ليس فقط على هذا البلد، بل على المنطقة ككلّ.

من الطبيعي أنّ أيّ فتنة لا تحمل معها أيّ وجهةٍ إيجابية، وذلك بسبب النتائج السلبية جداً لمثل هذه الفتن إن على الصعيد الأمني أو على الصعيدين الاقتصادي والمالي. ولكن، في ظلّ أجواء الفتنة السنية-الشيعية، يمكن القول أنّ خطورتها حملت معها منحى إيجابياً وحيداً يتمثل في خوف القادرين على تصعيدها إو إيقاظها، على أنفسهم وأوضاعهم بشكل عام.

وللتفسير أكثر، يمكن الركون إلى محطاتٍ عديدة جداً مرّت على لبنان في العقد الاخير، واجتهد زعماء الطائفة الشيعية (رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله)، وزعماء الطائفة السنّية (رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي وغيرهما...) في العمل الدؤوب على منع أيّ حياةٍ لهذه الفتنة، وتطويق الحوادث التي من شأنها أن تحمل بذور تطور الخلاف السنّي-الشيعي.

ولا تزال تصاريح التحذيرات التي وجّهها السيد نصرالله والنائب الحريري ماثلة في الذاكرة، وهي تشدّد على أهمية عدم السماح لأيّ كان في تنفيذ "حلم" ضرب الطائفتين ببعضهما، لأنّ من شأن ذلك خلق مخاطر جدية على مستقبل لبنان والمنطقة بشكل عام، وهو ما لا يمكن السماح به. وما حصل في 7 ايار 2008 في لبنان، والذي يعتبره الكثيرون (خصوصاً من الطائفة السنّية) بأنه كان "غزوة" شيعية لهم، لم يرق إلى مستوى الفتنة وبقي محصوراً. ولم يكن هذا الامر محصوراً بالجهد المحلي فقط، بل تجاوزه الى الجهد الاقليمي وخصوصاً بين السعودية وايران حيث كان للقاءات المتكررة بين الملك الحالي للسعودية عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد قبل أحداث 7 ايار وبعدها، التأثير الكبير.

وفي المنطقة أيضاً، ورغم ما حصل من مظاهرات في البحرين عام 2011 (غالبيتها من البحرينيين الشيعة) أدّت إلى تدخل قوات "درع الجزيرة"، ورغم الخلاف بين الامارات وإيران حول الجزر الثلاث، ورغم رفع سقف الاتهامات بين ايران والسعودية حول التدخلات في دول أخرى، لم ترق كل هذه الاحداث وغيرها الى مستوى التهديد بحصول فتنة سنّية-شيعية. فلماذا الخوف من هذه الفتنة؟

في اعتبار الكثير من المحللين، إنّ حصول مواجهة سنّية–شيعية في أيّ بلد عربي، من شأنه أن يكون مثل أحجار الدومينو التي ستقع في كل البلدان الاخرى، وبالاخص في الخليج. وفي الحقيقة، لا يحتمل أيّ نظام في الدول العربية الخليجية، وأيّ نظام في إيران حصول مثل هذه المواجهة لانها ستعني قلب الاوضاع السياسية والاقتصادية والديموغرافية وحتى الجغرافية ربما في كل هذه الدول.

وهل هناك ابلغ من الاجتماع الذي حصل في اليمن منذ يومين بين التجمع اليمني للإصلاح السني (الإخوان المسلمون) وجماعة الحوثيين "أنصار الله" للمرة الاولى؟ أليس في هذا الاجتماع خير دليل على أنّ أحداً لا يرغب في تصعيد بوادر الفتنة السنّية-الشيعية رغم حصول معارك وانفجارات؟

ولنتائج المواجهات السنّية-الشيعية (فيما لو حصلت)، عواقب وخيمة قد تؤدي الى قلب انظمة بأكملها في دول عربية وحتى في ايران، ومن شأنها أن تؤجج صراعاً قد يمتد لسنوات وسنوات، وترسم حدوداً جغرافية وديموغرافية جديدة لا يمكن التكهن بها، ناهيك عن الخطر الذي ستتسبب به في دول العالم أجمع جراء "العمليات الانتقامية" التي ستطال جاليات سنّية وشيعية في مختلف أصقاع الارض.

كل هذه المعطيات السوداء، تنعكس إيجاباً بمعنى أنّ الجميع يرغب في إبعاد كأس الفتنة المرّ عنه، وسيعمل جاهداً من اجل ذلك، وهو ما سيجعل أيّ مشروع لضرب السنّة بالشيعة في لبنان أو في أيّ منطقة، أمراً مستحيلاً، دون أن يلغي هذا الامر حصول احتكاكات او مواجهات محصورة تبقي على شبح الفتنة حاضراً دون أن تطلقه.