بشاشة التلفاز التي تبث صور استهداف حزب الله لموكب عسكري إسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، تعلّقت مليكة، طفلة الشهيد غازي ضاوي، في منزله في الخيام. لم تفقه ابنة الأشهر الـ13 ماذا يحدث. لكنّ عينيها الخضراوين كانتا تتابعان المشاهد والأصوات باهتمام، كأن الأمر يعنيها.
من خلفها، وقف عم والدها يشير بيدها إلى التلفاز قائلاً: «شفتي يا عمو بيّك شو عمل؟». بالطبع سترى أكثر. هذه الطفلة التي ستنمو في حمى والدتها سالي زريق التي لا تزال تبتسم منذ تبلّغها نبأ استشهاد زوجها قبل عشرة أيام. ابتسامتها سبقتها إلى استقبال الجموع في مراسم تشييعه قبل أسبوع. ثم سبقتها أمس في استقبال المهنئين بنيل زوجها حقه سريعاً من قضاء المقاومة الذي أبرم حكمه بالثأر لشهداء القنيطرة. لم تستغرب «أم مليكة» الردّ الإسرائيلي المحدود على العملية النوعية. «هم أجبن من ذلك، لذا ردّهم جاء أصغر من لعبة مليكة». لكنها تتمنى ألا تكتفي المقاومة بالرد رقم 1. جيران الشهيد غازي وأهالي الخيام توقعوا حدوث شيء ما منذ ثلاثة أيام. المقاومون كانوا يظهرون وينتشرون في الأنحاء، فيما أخليت المقار الأمنية والمدنية. لكن ذلك لم يربكهم، بل حبسوا أنفاسهم وصمدوا يترقّبون العرض المدوّي.
عرض المقاومة الرفيع المستوى قابله ردّ إسرائيلي عادي. قصف مدفعي على خراج البلدات القريبة من الغجر ومزرعة بسطرة المحتلتين. القصف طال تلال حلتا والعباسية ومجرى نهر الوزاني وأطراف سهل الماري. في بلدة الوزاني، كان دخان القصف يعبر فوق حلقات الأهالي أمام منازلهم تحت الشمس. في الساحة، جلست بعض النسوة يشرن بهدوء إلى أماكن القصف. «متعودين»، قالت، مشيرة إلى أن المشهد «أقل من عادي. رأيناه مرات عدة عقب إطلاق صواريخ الكاتيوشا من سهول المنطقة في اتجاه الأراضي المحتلة».
في محيط البلدة، تنتشر قطعان الماشية حول رعيانها. عند السفح المطل على متنزهات النهر، أكمل الراعي قيادة قطيعه في اتجاه النقطة الحدودية الفاصلة بين لبنان والجولان وفلسطين. يعلم أن الموكب المعادي استهدف الطريق المقابل للعباسية المجاورة، لكنه يواصل عمله. «شو منترك الطرش ومنفلّ؟».
في ساحات بعض البلدات من مرجعيون باتجاه بنت جبيل، اختار البعض المغادرة نحو المناطق الخلفية، ريثما يتبيّن الرد الإسرائيلي. سريان الشائعات عن أسر جندي اسرائيلي خلال العملية تسبّب ببعض الإرباك خوفاً من تكرار سيناريو عدوان تموز الذي شكل مفاجأة للجميع. بعض من لديه أطفال صغار فضّل الابتعاد، فيما اكتفت عائلات أخرى بالتموين. كان واضحاً أن توقيت العملية في «بحر» الأسبوع صبّ في الصالح العام. فالبلدات كانت شبه فارغة في الأساس، لأن الحركة عموماً تقل في الأطراف وتزداد قليلاً في نهاية الأسبوع والأعياد. عدد من المدارس في حاصبيا ومرجعيون والخيام علق الدروس وأعاد الطلاب إلى منازلهم تحسباً لتطور الأحداث.