على رغم ان التوصل الى اتفاق حول النووي الايرني كان كبيرا ومنتظرا واعلنت عناوينه الكبرى، فإنه من السابق لأوانه بالنسبة الى مصادر سياسية متابعة في بيروت تقويم الاتفاق – الاطار الذي اعلن بين مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع طهران والذي يتناول تقييد سعي ايران الى انتاج اسلحة نووية. اذ لا تسمح ردود الفعل الاولية على هذا الاتفاق برسم صورة واضحة تماما حتى الآن حول حجم المكاسب الحقيقية وليس الظاهرية للاطراف المعنيين خصوصا ان مواقف الدول المعنية لا تزال تشير الى عدم نهائية التوصل الى تفاصيل نقاط عالقة مهمة في انتظار صياغة الاتفاق النهائي قبل نهاية حزيران المقبل. كما لا تزال المدة الفاصلة عن صياغة هذا الاتفاق توحي باحتمالات قوية لاستمرار التجاذب حول التفاصيل. ففي أي حال لم يكن متوقعا ان يتاح "تبليع" الشارع الايراني المتشدد ما سيتم التوصل اليه مع مجموعة هذه الدول وابرزها الولايات المتحدة ما لم يصور الاتفاق ومضمونه على أنه انتصار كلي لطهران، وتاليا فإن الاحتفال في شوارع طهران قد يكون معبرا عن مكاسب حقيقية أو عن رغبة في حصول انفراج اقتصادي. كما لم يكن متوقعا في ظل الحذر الذي أبداه الكونغرس الاميركي من أي اتفاق يبرمه الرئيس الاميركي مع طهران كما في ضوء استمرار الرفض الاسرائيلي الذي عبر عنه في اليومين الاخيرين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الا ان يبدو الرئيس الاميركي متنازلا الى حد كبير من اجل انجاز اتفاق يسجل له كأرث يتيم في السياسة الخارجية في ولايتيه الرئاسيتين في ظل مشكلات بارزة تخبطت فيها ادارته ان في أوكرانيا أو في الشرق الاوسط. لكن هذا لا ينفي ان تداعيات اليوم التالي لهذا الاتفاق – الاطار لا تزال تتعلق حتى الآن بالتوقعات المسبقة في ضوء المواقف المعروفة والمخاوف من هذا الاتفاق، خصوصا ان عناصر كثيرة قد تم تناولها في العامين اللذين استغرقتهما المفاوضات المكثفة بين ايران والولايات المتحدة. ذلك ان تطورات عدة دخلت على الخط اخيرا ليس اقلها المعارضة القوية التي لا تزال تظهرها اسرائيل للاتفاق كما التحول في موقف الدول العربية السنية من خلال العملية التي تقودها المملكة العربية السعودية والتي وقفت في وجه محاولة السيطرة الايرانية على اليمن وساهمت في تشكيل نواة عربية وفق ما تبين في قمة شرم الشيخ ضد ايران في المنطقة. وهو الامر الذي ادخل عناصر جديدة وقوية على التوقعات التي سادت لأن المشهد الاقليمي تغير بقوة تبعا لذلك ما ادى الى خلط غير متوقع للاوراق. ففي الاتصالات التي اجراها الرئيس الاميركي بالقادة العرب، ولا سيما منهم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ثمة دعوة ضمنتها واشنطن لاجتماع قمة قريب في الولايات المتحدة من اجل البحث في تداعيات ما بعد الاتفاق والتعاون الاقليمي، ما يفيد بسعي الولايات المتحدة الى طمأنة دول الخليج العربي الى مرحلة ما بعد الاتفاق بالتزامن مع سعيها الى طمأنة اسرائيل من خلال الاعلان انه تم وقف قدرة ايران على انتاج اسلحة نووية.
فهذه التوقعات كانت رسمت انجازا أو انتصارا لايران كيفما انتهى اليه الاتفاق لانه لن ينهي طموح ايران لامتلاك السلاح النووي بل يقيدها ويرجئ هذه القدرة بضع سنوات في الوقت الذي سيضع الاتفاق حدا للعقوبات الدولية المفروضة عليها منذ اعوام ما يتيح لها استرجاع اموالها المجمدة واستيعابها مجددا من ضمن الاسرة الدولية بعد سنوات من العزلة التي لا تزال فاعلة. كما سيتيح لها الاتفاق استعادة الحركتين الاقتصادية والتجارية في اتجاهها بالتزامن مع اضطرار الولايات المتحدة الى الاقرار بنفوذها الاقليمي من خلال الحاجة الى التعاون معها في سائر الملفات أو الازمات في المنطقة سواء ما يتعلق بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام أو ما خص الوضع العراقي بالذات، الى جانب الازمة في سوريا ان لم يكن أيضاً في لبنان. هذا في حال رغبت الولايات المتحدة في فتح ملف محاولة معالجة الازمات في المنطقة لا سيما منها الوضع السوري علما ان انكفاء الادارة الاميركية عن ذلك وفق ما هو متوقع يفيد بأن ايران ستكون اكثر قدرة في ضوء اموالها المستعادة لأن تمول توسع نفوذها في المنطقة على نحو اكثر فاعلية من السابق. وعلى هذا العامل الاخير يعول سياسيون في قوى 8 آذار استنادا الى اعتقاد ان الاتفاق حول الملف النووي سيقوي ايران في المنطقة وفي حال وضع ملف لبنان على الطاولة وفق ما يعتقد البعض فقد يفك الاتفاق بعض جوانب الازمة الداخلية في لبنان ولمصلحة القوى المندرجة في محور ايران كون الولايات المتحدة ستسلم لها بالنفوذ بناء على واقع ان ايران لن تفرط بكيانية "حزب الله" في لبنان باي ثمن وجزء من دفاعها عن النظام السوري هو من اجل المحافظة على هذه الكيانية من جهة، ولانها تستطيع ان تبيع الامن في جنوب لبنان عبر الحزب من اجل المحافظة على امن اسرائيل من جهة اخرى خصوصا انه استطاع ان ينتزع رصيدا مناهضا لرصيده الاميركي من خلال رفعه لواء الانخراط في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.
وليس هذا الاعتقاد الاخير غريبا اذا كانت الاستحقاقات اللبنانية لا سيما انتخابات الرئاسة ربطت بالتوصل الى اتفاق مع ايران على ملفها النووي. اذ ما بعده سيكون وقت الحصاد ومحاولة التوظيف خصوصا للرد على ما اعتبر ضربة قوية في الحملة العسكرية على اليمن.