غريب كان تلويح، أو "تهديد"، الرئيس نبيه بري بحلّ مجلس النواب رداً على رفض "التيار الوطني الحر" وحزبي "القوات اللبنانية" والكتائب التشريع في غياب رئيس الجمهورية، وهو قال: "إذا كانوا يصرّون على تعطيل مجلس النواب فأنا سأطالب بحلّه عملاً بالدستور، بحيث انني سأطلب من رئيس الجمهورية المقبل عندما أهنئه بانتخابه أن يطلب من مجلس الوزراء اتخاذ قرار بحلّ مجلس النواب بسبب امتناعه عن الاجتماع طوال عقد عادي كامل من دون أسباب قاهرة".
يعرف بري الدستور والميثاق ويحفظهما، كما يعرف أن هذا الطرح قد يكون غير واقعي وغير قابل للتنفيذ.
لكن لماذا قاله وماذا يعني؟ هل هو تهديد للنواب، أم انه رفع للمسؤولية عنه؟
مصدر مقرّب من الرئيس بري قال لـ"النهار" ان بري عبّر بهذا الأمر عن استيائه مما آلت اليه الأمور في مجلس النواب وعدم عقد جلسات تشريعية، وبالتالي التعطيل وشلّ عمله ودوره التشريعي، اضافة الى انه حضّ الأفرقاء والاطراف على فصل الأمور بعضها عن بعض وعدم نقل صراعاتهم الى مجلس النواب في هذه المرحلة الدقيقة، لتبقى هذه المؤسسة الدستورية ولتستعيد عملها.
يؤكد عضو المجلس الدستوري السابق والوزير السابق سليم جريصاتي أن الرئيس بري أراد أن يعبّر عن سخطه في ما يتعلق بالشلل الذي أصاب مجلس النواب أي سلطة التشريع، "خصوصاً انه يعرف ان لا امكان لحلّ مجلس النواب حتى لو امتنع المجلس عن الاجتماع طوال العقد العادي الحالي الذي ينتهي في 31 أيار، ذلك ان هذا الطلب يجب ان يصدر في هذه الحالة عن رئيس الجمهورية، الأمر غير متاح. اذاً هو تعبير عن سخط لأنه لم يستطع لمّ الشمل وهو يعرف جيداً في قرارة نفسه، وخصوصاً انه يتمتع بحنكة سياسية كبيرة جداً، ان المجلس لا يستطيع ان يشرّع في ظل هذا التجاذب الحاد في البلد وموقف تيار "المستقبل" من التشريع بذريعة غياب الرئيس". ويضيف جريصاتي: "ان المجلس الذي لا يشرّع تشريع الضرورة لا يستطيع أن ينتخب رئيس الجمهورية، علماً ان تشريع الضرورة هو كل ما من شأنه أن ينشئ السلطات مثل قانون الانتخاب وقانون تمديد مهل الترشيح لدى المجلس الدستوري، كما القوانين المالية والمعيشية كالموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، وكذلك قانون استعادة الجنسية... ان هذا المجلس الممدد له مرتين يحمل في طياته بذور تعطيله لأنه لا يزال على صورة التجاذب السياسي الحادّ والانقسام العمودي في البلد. واذا لم نستطع ان نجدد الطبقة السياسية على صعيد التمثيل الشعبي، نرى من الصعوبة بمكان ان يذهب المجلس الى التشريع وكذلك الى انتخاب رئيس ميثاقي. لذلك من يعرف كل ذلك يكون سخطه مدوزناً".
من جهته، يستغرب وزير الداخلية السابق المحامي زياد بارود أن يصدر هذا الكلام عن رئيس السلطة التشريعية، "وهو أمر نادر إن لم نقل غير وارد في الأنظمة البرلمانية عبر العالم، لكن له دلالاته ومعانيه في السياسة. فالرئيس برّي يعرف تماماً أن المبادرة إلى الطلب من مجلس الوزراء حل مجلس النواب تعود إلى رئيس الجمهورية وحده، ولذلك حرص على القول "سأطلب من رئيس الجمهورية عندما أهنئه بانتخابه أن يطلب الحل". وفي رأيه انه "من خلال ما يُعرف عن الرئيس برّي من استشراف للآتي، قد يكون يغمز من قناة وجوب حل مجلس النواب في حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية وذلك بهدف إجراء انتخابات نيابية مبكرة (أي قبل حلول أجل التمديد الثاني للمجلس)".
اذ انه دستورياً، وفق بارود، حل مجلس النواب تحكمه المادة 55 من الدستور والتي تنص على انه "يعود لرئيس الجمهورية، في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من هذا الدستور، الطلب إلى مجلس الوزراء حل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. فإذا قرر مجلس الوزراء، بناءً على ذلك، حل المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل، وفي هذه الحال تجتمع الهيئات الانتخابية وفقاً لأحكام المادة الخامسة والعشرين من الدستور ويدعى المجلس الجديد للاجتماع في خلال الأيام الخمسة عشر التي تلي إعلان الانتخاب، وتستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد. وفي حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور يعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور".
وبالعودة إلى المادتين 65 و77، يتبيّن أن الحالات المشار إليها هي في المادة 65 التي تنص على انه "إذا امتنع مجلس النواب، لغير أسباب قاهرة عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر أو في حال رد الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل". وفي المادة 77 التي تتعلّق بآلية التعديل الدستوري حيث يعود لرئيس الجمهورية، في حال أصر المجلس على اقتراح التعديل بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، إما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حله.