منذ حلّ في وزارة الداخلية، برع نهاد المشنوق في إثارة المشاعر المتناقضة تجاهه، سواء بين جمهور تياره، أو في أوساط الجمهور المقابل. ليس استفزازياً كأحمد فتفت، ولا «مجتمعاً مدنياً» كزياد بارود، ولا وديعاً كمروان شربل. لكن فيه من كل من هذه المقادير مقدار. وفيه، فوق ذلك، مقدار من الصرامة لم يتوافر لأي منهم. «منهبّط الحبس على رؤوس الجميع» عبارة يفترض بسامعها أن ينسبها الى «داخلية» ريمون إده لا «داخلية» نهاد المشنوق. ليس من قبيل المبالغة القول إنه أعاد الى الوزارة سطوة افتقدتها منذ زمن، ربما يعود إلى أيام «الفرقة 16». سطوة حوّلت اللبنانيين، بين ليلة وضحاها، إلى «سويسريين» لا يقود أحد منهم سيارته قبل التأكد من وضعه حزام الأمان، ودفعت رئيس الحكومة، عندما صدف في إحدى السفرات أن كان الرئيس السابق ميشال سليمان خارج البلاد أيضاً، الى القول لمقربين منه: «قلبي مطمئن طالما أن نهاد في البلد»!
كنية المشنوق، إلى جانب كنية رئيس الحكومة، تثيران الكثير من النوستالجيا الى زمن كانت فيه بيروت مصنع رؤساء حكومات لبنان، مع نكهة طرابلسية وصيداوية، قبل أن يكسر رفيق الحريري القاعدة.
وهنا، ربما، بيت القصيد في الهجوم الأخير عليه من «رفاق السلاح» في التيار الأزرق. منذ «طار» خالد ضاهر كـ«صاروخ» خارج كتلة المستقبل، أيقن هؤلاء أي حظوة للرجل لدى سعد الحريري. وهم يدركون أن «عَشَم» فؤاد السنيورة في دخول السرايا الحكومية مجدداً كـ «عَشَم إبليس في الجنة»، وأنه طالما أن الحريري في الخارج، فليس في الميدان إلا... نهاد. وبينما «يلعب» أشرف ريفي ومحمد كبارة بين التبانة وساحة التل، يتسع «ملعب» الرجل من القاهرة الى الرياض فواشنطن.
النوستالجيا تتعدّى الأسماء والكنى، إلى الحنين الى «الزمن البيروتي الجميل» حين كان رجال الدولة يتقنون الحفاظ على شعرة معاوية الشهيرة مع الجميع. وهذا ما أثبت المشنوق أنه يجيده، وببراعة لافتة. لن يقيّض لأي مستقبلي آخر أن يشنّ بين جلستي حوار في عين التينة هجوماً صاعقاً على حزب الله من دون أن يفسد ذلك للودّ قضية بينه وبين محاوريه. الرجل الذي وصف يوماً حكومة نجيب ميقاتي بأنها «لم تكن لتولد لولا ارادة المرشد الاعلى لارادة السلاح»، هو نفسه من يصفه بعض حلفائه بـ «وزير داخلية حزب الله»، ومن يعيّره زملاؤه بفتح أبواب السرايا أمام وفيق صفا! يُجلس رئيس هيئة العلماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي على كرسيه يوماً، ويزدري علم «داعش» في يوم ثانٍ، ويطلق صفّارة إنهاء «إمارة رومية» في يوم ثالث... من دون أن يرفّ له جفن. بيروتي حتى النخاع، وسنّي حتى العظم، و«صقر» مستقبلي حتى انقطاع النفس... من دون أن يحول ذلك دون اتهامه بالسعي الى الوصول الى السرايا على دماء أهل السنة، على ما لمّح اليه «أبو العبد» كبّارة!
يحبه المستقبليون... ولكن. ولا يكنّ له خصومه ودّاً كبيراً... ولكن. وهو ــــ لهؤلاء وأولئك ــــ محيّر فعلاً. حيرة تكاد تُدخل الى السياسة اللبنانية مصطلح «المشنوقية» الأقرب ما تكون الى «الجنبلاطية»، مع فارق أن الأولى لا تثير الاستياء الذي تخلّفه الثانية بين الجمهورين كلما خرج صاحبها بتصريح أو تغريدة. في أجمل أحلامه، لا يتخيّل أحمد فتفت نفسه، مثلاً، يتسلم باقة ورود من أهالي بريتال على الهواء مباشرة في برنامج «كلام الناس». وفي أسوأ كوابيسه، لم يكن فؤاد السنيورة ليتصوّر ان تجور عليه الأيام ويضطر إلى إصدار بيان يدافع فيه عن المشنوق.
تخرج الكلمات من فمه بتثاقل من يفكر في انتقاء ما ينوي قوله. وحرصه على انتقاء عباراته، حتى عندما يهاجم خصومه بأثقل العبارات، لا يضاهيه إلا حرصه الشديد على قيافة أرستقراطية تذكّر بصائب سلام وبرجال السياسة أيام «الأبيض والأسود». وهو يشبه هؤلاء مظهراً، وممارسةً. قلة من سياسيي اليوم، كما نهاد المشنوق، تخرج من اجتماع لرئاسة مجلس الأمن المركزي إلى لقاء مع ملك الأردن، وفي مفكرتها، بين الموعدين، لقاء مع «لجنة جامع البسطا التحتا»!