تتهاوى الحدود الواحدة تلو الأُخرى أمام ضربات الحاقدين على حياة الآخرين، المُشردين للبشر والناقمين على التاريخ القديم والحديث، القادمين من حيث الفجور والدم والخراب والمُصرين على ضرب الإنسانية في الصميم. هؤلاء هم كل من إتخذ من الإنسانية عدوًا له ومن الدين مرتعًا حيويًا يُغذي من خلاله ترهاته الطائفية المتخلفة. في ضوء هذه الغوغاء المحتدمة في المنطقة، لا بُدَّ من العودة إلى حيث تدفعنا وطنيتنا أن نذهب، إلى حيث يجب أن نكون وإلى حيث ما نتمنى أن نحصد. هذه هي النقاط الأساسية التي تدفعنا للسَير وتقديم المزيد لنذهب إلى حيث نريد ونحصد ما نشاء لـ"يبقى لبنان".
- بين وحدتنا وتوحدنا، أين لبنان
تختلف المشاريع وتتزايد حول مستقبل لبنان وكيف تراه كل فئة أو فصيل أو مجموعة من المجموعات التي تسعى بدون أدنى شك لخير الوطن، ولكلٍ من هذه المجموعات رؤية مُعينة، جميعها تدور في فلك الخروج من الدولة المركزية والتوجه نحو الدولة الواحدة الموحدة أو الدولة المتحدة، فما الفرق بينهما؟
عندما نتحدث عن الدولة الموحدة سيأتي على أذهان البعض الدولة المركزية، أو تسلط الأحزاب والتوريث السياسي وما إلى ذلك ممّا عانى منه اللبنانيون على مدى سنوات وسنوات. حقيقةً نستطيع أن نرى الأمور كما نشاء، فالعَينُ ترى الصورة ولكن العقل يحدد ماهيتها حسب ما تأتيه الإشارات الضوئية من مكونات هذا العقل وأهدافه ومشاريعه. لذلك عندما نتحدث عن الدولة الموحدة سيراها بعضهم مركزية متعجرفة، تبسط الأحزاب فيها سلطتها وتتناحر في ما بينها، لا تعترف بالمشاركة ولا تؤمن بالديمقراطية. لكن الصورة المغايرة لهذا الواقع موجودة، لذلك أتى التعريف مختصرًا بـ"الدولة الموحدة". الوحدة تحت لواء الدستور المتطور والحضاري في لبنان هي صحية جدًا، ويأتي السؤال عنه للجواب على تساؤلات البعض عن ضمانات يبحثون عنها في الدساتير المتعددة التي يطرحون خلقها في المجتمع الذي يجب أن يسعى كل منا إلى وحدته وإزدهاره.
"في الإتحاد قوة" هذا كل ما يعرفه كل من يحمل شعار "الإتحاد"، أو "الدولة المتحدة"، أو غيرها من شعارات ممّا يسمى في علم السياسة "الدولة الفدرالية". كثير من الذين يبحثون عن الدولة الفدرالية يعتبرون أنّ الدولة المركزية هي العدو الأساسي الذين يجب إزاحته من طريق الدولة المتحدة. لكن حقيقة الأمور تختلط على البعض، فيدمجون بين مشروع توحيد الدولة وبنائها. إنَّ عملية البناء تحتاج إلى الوحدة وليس الإتحاد، لأنَّ الإتحاد مُعرض للتفرقة فهو إتحاد لمجموعات متعارضة فيما بينها ومتباينة ونسبة الخلاف فيها تتزايد مع كل دورة للكرة الأرضية. هذه التفرقة هي طريق الإنقسام الذي سيتسبب به هذا الإتحاد من حيث الشكل والمضمون، فالشكل هو عبارة عن تقسيم جغرافي طائفي مُعلَن، أما المضمون فهو تعزيز للطائفية عبر طروحات منبثقة من القانون الأرثوذكسي وتحويل بنية النظام من روحية رسالته اللبنانية إلى دويلات محدودة الأجل ومتعددة الأشكال والألوان.
إنّ الوحدة التي أدعو إليها اليوم هي وحدة الوطن التي تجنبنا ظلمات الإتحاد، فالإتحاد تقسيم حقيقي ومُعلَن بدواعي غير مثبتة ولا تشبه من الواقع سوى ما يتمنى البعض رؤيته لإثبات وجهات نظرهم. إنَّ الإتحاد المزعم هو ضعف وتشتيت لواقع الدولة التي أحاول طرح آلية تقديمها إلى العلَن لأثبت مرة جديدة بأنَّ الإيمان بلبنان الذي يحلم به كل مواطن هو حقيقة واقعية لا بُدّ وأن نعمل لها.
- ركائز الدولة الموحدة
يرتكز بناء دولة قوية وموحدة في لبنان على نقاط عديدة مرتبطة فيما بينها، مبنية ومنبثقة من روحية إتفاق الطائف، تعتمد ضرب الخلل الحاصل في النظام الحالي كما ترتكز على طروحات علمية منطقية للنهوض بلبنان.
إنطلاقًا من روحية إتفاق الطائف وخصوصًا من الإصلاحات المطروحة في عمقه، يرتكز بناء الدولة الموحدة على تطبيق اللامركزية الموسعة تطبيقًا مثاليًا عصريًا، سيكون الحل الأساسي لمختلف المشاكل التي يعانيها المجتمع اللبنان على مختلف المستويات سواءً الإجتماعية، الديمقراطية والحريات، الدينية، السَير نحو بناء دولة مدنية، المشاركة بين مختلف الأطراف الحزبية والغير حزبية في المجتمع، ضرب الطائفيات السياسية، تطوير العقل اللبناني ومساعدته على التقدم لتقديم الأفضل. جميع هذه النقاط هي نتائج وثمار قد يحصدها لبنان واللبنانيون في حال تم تطبيق اللامركزية بشفافية وبدون حسابات ضيقة.