يكاد رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي تنحى مؤخرا عن رئاسة "التيار الوطني الحر" يُنهك من عدد وحجم المعارك التي يخوضها على أكثر من جبهة، لكنه لا يزال بعيدا كل البعد عن الاستسلام والتسليم بعدم قدرته على الاستمرار بالسباق المضني الى قصر بعبدا وبالمواجهة الشرسة مع أكثر من خصم بعضهم مستتر بغطاء الحليف. فليست معركة الترقيات العسكرية التي يخوضها عون حاليا الا تفصيلا صغيرا بنظره في "المواجهة الكبرى لكسره وتحجيمه والتي يتقدمها تيار المستقبل".
ولعل خروج نواب ووزراء "حزب الله" في الايام القليلة الماضية لاعلان تصدرهم صفوف هذه المواجهة لمنع "كسر" الحليف المسيحي الوفي، ليس الا اقرارا بالحملة التي يشنها "التيار الأزرق" بتوجيهات اقليمية بعد انهيار آخر قنوات الحوار والتواصل مع "التيار الوطني الحر".
ويتصدر رئيس "كتلة المستقبل" النيابية ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة فريق الهجوم بتنسيق تام ومباشر مع نظيره السابق ورئيس تياره سعد الحريري وفريقه المقرب. فبعكس كل ما يُشاع، تؤكد مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان لا انقسام في التيار الازرق ولا جناحين، بل لعبة توزيع أدوار بين السياسي المخضرم والقائد الشاب المغترب، اكتشفها عون أخيرا بعدما سقط في فخ وعود الحريري الوردية ان كان لرئاسة الجمهورية أو قيادة الجيش، ليتبيّن له ان ما كان ينطق به السنيورة بالسر والعلن هو ما يخطط له "المستقبل" فعليا.
وتؤكد المصادر أنّه ولو كان هناك ولو نسبة 1% من الخلاف بين السنيورة والحريري، ما كان الأخير ليقبل باستمرار الأوّل كمرجع أول للتيار في لبنان والممثل له في طاولة الحوار الوطني، وكان ليسلّم المهمة لمدير مكتبه نادر الحريري او لابن عمه أحمد الحريري او للعمّة بهية الحريري. وتضيف المصادر: "من يقرأ ويتابع عن كثب مواقف الحريري والسنيورة يدرك تماما ان الرجلين يتوزّعان المهام بنجاح ويتقصّدان اظهار نوع من الخلاف بينهما لضمان نصب الأفخاخ للأخصام من دون يلفتا الانتباه".
وتتركز مهمّات "المستقبل" حاليا على "العدوّ" الأبرز ميشال عون، لذلك نراه يتعاون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط الخصمين الدائمين للجنرال واللذين تنصلا مؤخرًا من "التسوية الفخّ"، ما يندرج ايضا في سيناريو المسرحية المستمرة بوجه عون.
ولا تستبعد المصادر ان يلجأ الفريق السابق ذكره لتمرير مطلب عون بترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز لتفادي الشلل الكلي للحياة السياسية الّذي سيفرضه عون و"حزب الله"، وهو ما أبلغه الاخير للمعنيين موضحا لهم انّه شخصيا لن يتمكن من المَوْنة على الجنرال في حال عدم ترقية روكز. وتضيف المصادر: "سيسعون لتمرير التسوية قبل ساعات من التظاهرة التي دعا اليها التيار الوطني الحر بهدف تنفيس الاحتقان وبالتالي التأثير على الحشد الشعبي المنتظر باعتبار ان للعميد روكز مكانة كبيرة في قلوب العونيين وهم لن يترددوا بالتهافت الى الساحات تمسكا به".
وبالتزامن مع المعركة الشرسة التي يخوضها عون بوجه تيار "المستقبل" يخوض معركة غير معلنة وخفيّة مع رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية والذي يعتبره اليوم المنافس رقم واحد له لرئاسة الجمهورية خصوصًا بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الميدان السوري مع دخول العامل الروسي الى المعادلة.
ويشكو مقربون عونيّون من سياسة ينتهجها فرنجية للتسويق لنفسه بالسر بالرغم من استمرار اعلان تمسكه بترشيح عون علنيًّا.
أما معارك بري-عون فمفتوحة ومستمرّة الى أجل غير مسمى، وليس الاشتباك الكلامي الذي نشب بين الجنرال ووزير المال علي حسن خليل بوقت سابق الا حلقة في سلسلة طويلة من الخلافات والتراكمات التي لم تعد وساطات "حزب الله" تكفي لاستيعابها، أو في بعض الأحيان التدخّل لحلّها.
بالمحصلة، وبالرغم من كل الجهود التي يقوم بها الجنرال الثمانيني للحفاظ على هدوئه لخوض المعارك بمرونة ودبلوماسية، لا يستبعد مقربون منه ان يخرج قريبا عن طوره لتسمية الأشياء بأسمائها ووضع النقاط على الحروف... وهم يؤكدون أن ما قبل انتهاء ولاية روكز لن يكون كما بعدها في حال عدم ترقيته.