لم يعد بالإمكان حصر القضايا بمحيطها الخاص فقط، فبسبب الدور الواسع الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، تحوّلت المواضيع الى قضايا عامة يتشارك القريب والبعيد الآراء حولها، ولعل صراع "المتديّنين" و"غير المتدينين" هو أحد ابرز القضايا التي "تغري" رواد مواقع التواصل. ولكن من يشعل هذا الصراع؟
بعد صراعات سابقة حول الدين والتعاليم الدينية وخصوصا الإسلامية كالصيام والحجاب، شهدت ساحات المواقع معركة جديدة انطلقت منذ اسبوع وتستمر حتى اليوم، وفتيل إشعال المعركة هذه المرة كان "بيان" بلدية جبشيت الموجّه لصاحب محل "الكمبيوتر" في البلدة. وأهم ما جاء في البيان هو: "الاقفال في اوقات الصلاة لمدة نصف ساعة، الاقفال نهار الجمعة من الساعة الحادية عشرة ظهرا حتى انتهاء الصلاة، مراعاة عدم اختلاط الذكور والإناث". وقد أثار هذا البيان فريقي "الحرب"، فاعتبره الأول "مجرد اجراءات عادية هدفها مراعاة الأعراف المحلية للبلدة وحفاظا على المجتمع والاخلاق، والتمسك بصورة المجتمع المحافظ"، بينما وجد فيه الفريق الثاني "فرضًا للدين بالقوة، وتغييرًا لعادات وتقاليد المجتمعات الجنوبية، وتعزيزًا لمنطق الدويلة، وحرمانًا للمواطنين من حريّاتهم الشخصيّة". وقد استند اعضاء هذا الفريق على تجارب سابقة حصلت في الجنوب، وأبرزها اقفال محال بيع الكحول في كفررمّان والنبطية.
سرت أخبار في بلدة جبشيت ان بيان البلدية لم يأتِ من فراغ، بل يرتبط باكتشاف "شبكة دعارة" في بلدات جنوبية. وهنا ترفض مصادر خاصة بـ"النشرة" تأكيد الخبر أو نفيه، معتبرة ان البلدية اجتمعت وقرّرت اتخاذ اجراءات معيّنة قد يجدها البعض قاسية، ولكنها ضرورية راهنا بسبب حجم التفلّت الحاصل، مشيرة الى وجود بعض الآراء التي تعتقد ان الانفتاح وعدم مراعاة الضوابط الدينية هي اسباب مباشرة للتفلّت، وان ابلاغ اصحاب محال الانترنت بضرورة مراعاة عدم الاختلاط بين الاناث والذكور جاء بعد ان أصبحت السهرات داخل تلك المحالّ تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل، وهذا ما لا يناسب المجتمع الجنوبي على الاطلاق، لافتة الى ان "لكل مجتمع عاداته وتقاليده وعلى الجميع احترامها، أما احترام الاخر فلا يكون بفرض الرأي عليه". وتضيف: "الاهم أن أغلب سكان البلدة يؤيدون قرار البلدية، وبالتالي فإن الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هما سبب تضخيم الموضوع".
الخيام.. لا للاختلاط
وبعد جبشيت، حضرت الخيام حيث أصدر رئيس بلديتها علي العبدالله قرارا يقضي بعدم السماح بتسجيل السيدات والفتيات في البلدية للمشاركة بسباق جمعية "حرمون ماراثون" الذي يرعاه وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي والذي ينظم في منطقة سوق الخان في حاصبيا. وفي هذا الإطار سأل محمد شمس الدين: "ما الفرق بين منع النساء من قيادة السيارة ومنعها من المشاركة في ماراثون؟"، وقالت ربى سعد: "ان قرارات رؤساء بلديات جبشيت والخيام داعشيّة اكثر من داعش"، وفي سياق التعليقات الساخرة سألت زينب عمّا إذا كان جائزاً "خلط البرغل مع اللحمة لتحضير طبق كبة"، بينما قال علي رسلان: "من لا يعجبه دينه ولا تعجبه الضوابط، يستطيع أن يغيّر"، واصفاً هؤلاء بـ"المتأسلمين". من جهته قال علي مرتضى: "هناك أولويّات في الدنيا وفي الدين، والظلم اللاحق بمئات النساء على أبواب المحاكم الشرعية هو اولوية"، وأضاف: "لا أحد يقول لا تطبّقوا الدين، ولكن طبّقوا في كلّ شيء، وعندها لن ينبس أحد ببنت شفة".
لحزب الله موقف؟
ولكن بعيدا عن هذه السجالات، يظهر جليًّا تصويب البعض على حزب الله، متهمين اياه "بالداعشية"، على اعتبار ان هذه البلديات تابعة له. في المقابل، تؤكّد مصادر الحزب لـ"النشرة" انه غير معني على الاطلاق بما يُحكى، مشيرة الى ان البلديات هي هيئات منتخبة وتخضع للقانون اللبناني الذي اعطاها صلاحيات معيّنة ضمن اطار حدودها الجغرافية.
اللافت في ما استجد، هو تفاوت الآراء بين "المتديّنين"، اذ وقف بعضهم في وجه القرارات الأخيرة المتخذة من قبل البلديات، معتبرين انها "تتخطّى" حدود المعقول، مشيرين الى ان السلوك المتطرف سيؤدّي الى نتائج سلبيّة داخل المجتمعات التي تحوي على فئات كثيرة متنوّعة. فهل تتدارك الفعاليات الجنوبية الامور قبل ان تخرج من عقالها؟