يبدو ان قانون العفو يتبدل من حيث المضمون مع تبدل العهود والحروب وقادتها والمشاركين فيها الى اية طائفة او مذهب انتموا وهي اصبحت متلاصقة بعرف 6و6 مكرر لناحية «عدالة القانون».
هذا القانون الذي بدأت ملامحه تطل مجدداً على الساحة اللبنانية مع انطلاقة عهد رئيس الجمهورية اللبنانية الجنرال ميشال عون، الا ان الامر ما دونه عقبات، لناحية الاهداف ونوع العفو عاماً كان اما خاصاً، حيث انه يستعان به في بعض الاحيان لطي صفحات النزاعات والحروب الطائفية والمذهبية ومن ناحية اخرى لاسباب سياسية او ظلم سياسي حصل بحق مسؤولين سياسيين، ويمكن من خلال ما ورد الاضاءة على حكم الاعدام الذي صدر بحق رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعاده، حيث كان الحزب محظوراً، في حين انه اليوم من الاحزاب السياسية التي تتشارك في المسؤوليات مع باقي الاحزاب .
انطلاقاً مما ورد يمكن اعتبار قانون العفو وكأنه دائماً «غب الطلب»، ولكن بعد تغيير بعض من بنوده التي تكون قد انتهت مدة صلاحيتها، رغم ما لهذا القانون من سلبيات ولا سيما في وضعنا الراهن لناحية نوعية المتهمين والمحكومين والموقوفين الذي يطغى على جرائمهم طابع «الارهاب» الذي اصبح عابراً للحدود بين الدول وبات يهدد امنهم جميعاً، في حين ان نزلاء السجون بتهمة تعاطي او ترويج او الاتجار في المخدرات على انواعها فقد تآلفت قضبان السجون وجدرانها مع هذه الوجوه وهم يشكلون ربما السواد الاعظم من القاطنين في سجن رومية في المرتبة بعد المتهمين بالارهاب.
وبالعودة الى قانون العفو الذي صدّرت الدولة اللبنانية ما يقارب الـ14 قانوناً منذ العام 1989 بعضها خاص والبعض الاخر عام وبالطبع يعتبر القانون الذي صدر عام 1991 هو الابرز كونه شمل امراء الحرب اللبنانية، وقانون 2005 الذي خرج بموجبه رئيس حزب «القوات اللبنانية» وبموازاته خرج الاسلاميون الذين شاركوا في احداث الضنية ضد الجيش اللبناني.
ومن خلال مراجعة معظم هذه القوانين فان السواد الاعظم منها كان يحمل طابعاً سياسياً وليس انسانياً، وهنا يطرح السؤال عن الاسباب التي دفعت بقانون العفو العام للعودة الى الواجهة، لاسيما ان كان الموضوع يتعلق «بالارهاب» الجديد التكفيري الذي يتجاوز حدود الدولة اللبنانية وهو يمس بامن المواطنين جميعاً وليس فئة سياسية معينة وهو امر اورده المشرع اللبناني عام 1958 .
وهنا يطرح احد الحقوقيين في طرابلس السؤال حول قدرة المسؤولين اللبنانيين على تحمل مفاعيل هكذا قانون في الوقت الحالي وكيفية معالجته وعملية انتقاء انواع الجرائم والموقوفين او المحكومين فهناك اسماء كبيرة سيدور حولها جدل واسع في اوساط جميع الطوائف والمذاهب، في ظل استعار النار الطائفية والمذهبية وحتى ضمن المذهب الواحد.
ويضيف المصدر وهذا الامر يبدو واضحاً من خلال ما عبر عنه الرئيس نجيب ميقاتي اثر لقائه الرئيس سعد الحريري خلال الاستشارات، عن نوع من عفو خاص، وهي خطوة يراها المصدر لاعادة الثقة بين الرئاسة الاولى والشارع السني التي فقدت منذ حوالى عشر سنوات وتحديداً الطرابلسي، وهو امر ربما يتحمل مسؤوليته الاعلام السني، يضاف اليه الازمة التي تعيشها طرابلس الفيحاء حيث ان السجون اللبنانية تكتظ بثلاثة ارباع الشباب الطرابلسي وهو امر له انعكاسات اجتماعية اقتصادية من حيث اعادة هؤلاء بعد خروجهم الى الخريطة الاقتصادية للمنطقة وهم الذين عايشوا الفقر والحرمان منذ زمن طويل واضافت احداث جبل محسن باب التبانة عبئاً اخر عليهم لا سيما وان عائلات تتشدد في عدم السماح للمرأة بالعمل وهو امر كان له تأثير كبير على الفتيان الذين وجدوا انفسهم مرغمين على النزول الى الازقة والمشاركة في الحروب العبثية والبعض الاخر ذهب ابعد من منطقته ليخوض «الحرب نصرة لاهل السنة» وعاد معظمهم ليستسلم طوعاً الى الدولة اللبنانية.
من هذا المنطلق يبدو ان هناك توجهاً من قبل الرئيس ميقاتي الى تأليف لجنة تضم حوالى 4 اشخاص تعمل على ازالة العوائق القانونية امام المشروع كون الامر يواجه معوقات 5 بارزة وهي قضية مسجدي التقوى والسلام، احداث بحنبن، عبرا، عرسال وقضية ميشال سماحة، وهي تشكل حقل الغام كبير لا يستطيع احد المجازفة في دخوله لاسيما وان الجرائم تتعلق بامن الدولة والتي تم التخطيط لها من خارج لبنان بانتظار تأليف الحكومة، عندها يطرح الامر الى العلن، فاما يتم اقرار عفو خاص (يطبق على الذين صدرت بحقهم احكام قضائية) او العام الذي يشمل فئة محددة وجرائم محددة وتتعلق بمكان محدد وهنا يقصد فيها المصدر الذين شاركوا باحداث جبل محسن وباب التبانة مع الاخذ بعين الاعتبار عدد من المشاركين الذين لا يمكن تقبل اصدار العفو عن الجرائم التي اقترفوها وما زالوا على قناعتهم باعادة ارتكابها وهو ما عبر عنه اكثر من متهم مثل امام المحكمة العسكرية بتهم الاعتداء على امن الدولة وقتل عناصر الجيش اللبناني.
لذا يرى المصدر ان هناك حلاً ثالثاً يقضي بتفويض الحكومة القيام باصدار عفو خاص له مفاعيل العفو العام، وهو امر يصعب تحقيقه، لعدم اعطاء الرئيس المكلف سعد الحريري دفعة جديدة من المعنويات التي قد تنتج عن مفاعيل هذا العفو لاسيما في الشارع الطرابلسي.
وانطلاقاً مما ورد يرى الخبير القانوني والدستوري النائب السابق صلاح حنين انه في المبدأ ان الامور تحصل احياناً وفق السياسة، يجب ان نصل في العفو الى فتح صفحة جديدة في مكان ما، انا لست ضد العفو ولكن يجب ان يأتي بعد مصارحة ومصالحة، وهناك محاكمات سياسية وعفو سياسي.
اما في مواضيع الجرائم العادية، يقول حنين ان مبدأ الافلات من العقوبة او انكار العدالة، لا يجب ان تكون بشكل يوازي موضوع العفو عن الغرامات مثلاً لان هذا الامر قد يدفع العديد الى القيام باعمال جرمية لاعتقادهم ان العقوبة لن تنفذ وسيشمله العفو وهو امر يحصل مع بداية كل عهد، ولا يمكن بسبب صفقات سياسية اعتماد هذا القانون لانه في بعض الاحيان هناك اشخاص يدخلون الى السجن لاسباب سياسية ويخرجون للاسباب ذاتها.
وشدد حنين على انه ليس ضد العفو الذي حصل في العديد من البلدان الاوروبية، ولكن يجب ان يكون مشروطاً وانسانيا، على ان يدرس كل ملف على حدة، ولا يمكن ان يشمل الاشخاص الذين ارتكبوا جرائم ارهابية ووحشية ضمن مجموعات تستهدف امن الدولة وجيشها وشعبها والمخطط لها ولها ابعاد مستقبلية يمكن ان يكون لها تأثير على لبنان وامنه، واعتبار جرمه مشابهاً لشخص سرق تفاحة، وانا ارى ان يجوز العفو في جرائم قتل معينة ذات طابع شخصي بفعل عامل الغضب او الثأر ولكنها تخضع ايضاً للدراسة لناحية عقوبته التي يمكن ان تخفض لعدة اسباب.
وينهي حنين قوله ان هناك اموراً يمكن ان تتضمن اسباباً تخفيفية يجب النظر فيها لناحية تخفيض العقوبة ولا يجب ان يشمل الجميع لكي لا يسود الاعتقاد ان هناك امكانية الافلات من العقاب.
وهنا يميز النائب السابق صلاح حنين ما بين العفو الخاص الذي يصدر عن رئيس الجمهورية والذي يمكن ان يشمل اكثر من شخص ويبقي اثر الجريمة، بينما العام الذي يصدر عن مجلس النواب فهو يحدد نوع الجريمة وتاريخ حصولها ولكنه يمحي اثرها.
مصادر متابعة لهذا الملف تؤكد ان موضوع العفو عن المتهمين باحداث طرابلس قطع شوطاً كبيراً في هذا المجال، الا انه يبدو ان الامر الذي يتعلق بمن ارتكب اعمالاً ارهابية على الاراضي اللبنانية ولاسيما فيما يتعلق بقتال الجيش اللبناني وابرزها ملفات الشيخ احمد الاسير، خالد حبلص، احداث عرسال وبحنين وما اقترفه نعيم عباس وقتلة العسكريين ذبحاً.