لا يعني طرح صيغ جديدة لقانون الانتخاب أن ثمة مخرجا للتجاذب القائم حول هذا الموضوع من خارج ثلاثة طروحات تتداول بها القوى السياسية بشكل جدي بعيدا من الاعلام، وتتوزع وفق التالي:
أولا، صيغة التأهيل ومن ثم النسبية
ثانيا، القانون المختلط بين الأكثري والنسبي
ثالثا، صيغة one man multiple vote
وقد بدا حتى حينه تعارضا قويا بين الفرقاء لكون الصيغة الانتخابية مؤشر أولي لمسودة النتائج، بما يحدد إلى حد ما، الأحجام، في ظل بلد قائم على توازنات حساسة. وإذ بدا حتى اليوم ان ثمة محورين يتجاذبان هذه الصيغ الثلاث، بحيث يؤيد الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر التأهيل المكمل بالنسبية. في وقت يميل المستقبل والقوات والإشتراكي والكتائب وقوى وشخصيات مستقلة نحو القانون المختلط من زاوية مبدئية بحيث يحصل الكباش حول كيفية تطبيق النظام النسبي أو الأكثري على عدد من الدوائر التي تمثل ثقلا لهذه الجهات، في حين أن المستقبل لا يرفض صيغة one man multiple vote وكذلك القوات والكتائب.
ويضفي قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعدم التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة حالة ضاغطة على القوى السياسية كافة لإنتاج قانون جديد قبيل انتهاء ولاية المجلس النيابي دون القبول بالتمديد له أو إجراء الانتخابات على قاعدة القانون النافذ حاليا (الستين) الذي يرفضه عون بشكل أساسي وكذلك قوى سياسية أخرى بات موقفا واضحاً.
وفي ظل هذا التجاذب الكبير على قانون الانتخاب، يخرج تيار المستقبل ذاته من هذا الصراع مع رئيس الجمهورية، لتفهمه بأن الأخير قد «شيطن» قانون الستين، ويتمسك بأن يتم التفاهم على قانون جديد كهدية منه للمسيحيين. وبذلك هو لم يحصر مواقفه بصيغة نهائية وواضحة للقانون الذي يريده، بقدر ما هو يدفع نحو صيغة يجد فيها ترجمة لمواقفه بتحسين التمثيل المسيحي.
لذلك، لا يمكن القول ان الطابة هي في ملعب المستقبل الذي يميل نحو القانون المختلط أو الدوائر المصغرة، حتى ان هذا التيار، حسب أوساطه، لا يجد ذاته معنيا فيما خصّ الاتهامات المتعلقة بالهيمنة على التمثيل المسيحي، طالما رئيسه سعد الحريري أعلن عن تأييده «القانون المختلط». في محطات عدة
إلا أن ما يحرص عليه تيار المستقبل هو عدم انزلاقه نحو فخ تنصبه له قوى سياسية معادية، لتجريده حقه بترشيحه وضمه مسيحيين إلى كتلته النيابية، اذ دون التمثيل المتنوع يصبح عندها فصيلا سنيّا صافيا، فيفقد بذلك بعده وغطاءه الوطنيين، لينقضّوا عليه لاحقاً على أنه «جناح سنّي» بهدف إضعافه وتطويقه وإفقاد لبنان صمّام أمان توفره هذه الروحية من التحالف الإسلامي - المسيحي.
وترشيح المستقبل لشخصيات من مختلف الطوائف وخاصة المسيحيين وتبنيهم ضمن كتلته هو خيار حقّ له ولا يجده محرما على أي فريق آخر إذا ما أراد ذلك، خصوصا أنه يميل نحو قانون انتخابي عادل يمكّن الجميع أن يكونوا سواسية في الاستحقاق الانتخابي، بحيث تمتلك القوى كافة مرشحين من عدة مذاهب في حال أرادت ذلك، وهو خيار يشجعه المستقبل.
فما يحصل هو أن «إطلاق نار» استهدف الحريري ولم يقض عليه نتابع الاوساط ، وكأنه بات مطلوبا أن يقضي على ذاته باللجوء إلى «الانتحار السياسي» بتحويل تيار المستقبل إلى «فصيل سني». لتستكمل مخططات الفرز المذهبي نفسيا وديموغرافيا.
وفي موازاة ذلك دخل رفض رئيس الجمهورية لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة نفق الاجتهادات حيال مدى إمكانية إنجاز هذا الاستحقاق على قاعدة هذا القانون، لكون تسوية الدوحة حددت العمل به لمرة واحدة اي انه دستوريا غير قائم ولا يعتبر قانونا نافذا، اي انه عمليا لا قانون امام الحكومة والمرشحين والناخبين، على ما هو الكلام في محور عون بما يعني لا ضرورة او حاجة للتوقيع من قبله على قانون ساقط، كما لا يمكن فرضه على رئيس الجمهورية استنادا الى رهان على ضغوطات المجتمع الدولي للبت في هذا الاستحقاق واحترام المحطات الديموقراطية ،على ان القانون هو النافذ لان رئيس الجمهورية لا يعرف به اذا ما كان القانون حيّا في ذهن المستفيدين منه.