في كلمة سياسيّة ألقاها رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ بُعيد إنتهاء القدّاس الإلهي الذي أقيم في معراب إحياء لذكرى شُهداء "المُقاومة اللبنانيّة" تحت شعار "نحن هُنا"، أطلق "الحكيم" سلسلة من المَواقف الهُجوميّة والعنيفة بحقّ "​حزب الله​" والنظام السوري. وفي قراءة سريعة لأبرز ما جاء في خطاب جعجع، يُمكن تسجيل المُلاحظات التالية:

أوّلاً: تأكيد بقاء التفاهم بين حزب "القوّات" و"التيّار الوطني الحُرّ"، حيث قال جعجع إنّ هذا التفاهم وُجد ليبقى وسيبقى وأنّه ضرورة للشراكة المسيحيّة-الإسلاميّة، مُكتفيًا بالإشارة إلى أنّه لم يكن تفاهمًا رئاسيًا ولن يسقط عند أوّل عقبة، لكن من دون الخوض في أي من التباينات التي ظهرت بين "القوّات" و"الوطني الحُرّ"، الأمر الذي أظهر تمسّك "القوّات" بالتفاهم مع "التيّار" على الرغم من كل الصُعوبات التي تواجهه ومن كل التهجّمات السياسيّة والإعلاميّة عليه.

ثانيًا: مُهاجمة "حزب الله" بسبب النتيجة التي خلصت إليها معركة "جرود عرسال"، حيث إتهم جعجع "الحزب" بتسهيل خروج الإرهابيّين قبل ساعات من إطباق الجيش على مربّعهم الأخير المُحاصر، مُسخّفًا الحجج التي أعطاها "حزب الله" لتبرير التسوية التي حصلت، الأمر الذي أعاد "القوّات" إلى موقعها السابق المُنتقد الدائم للحزب، بعد فترة من الهدوء النسبي-إذا جاز التعبير، والتي جاءت بعد مُحاولات حثيثة من جانب "التيار الوطني الحُرّ" لتهدئة الأمور بين الطرفين.

ثالثًا: الدفاع عن الجيش والمُطالبة بتوسيع دوره، بالتزامن مع الهجوم على "حزب الله" مُتهمًا إيّاه بتجاوز الشرعيّة، وباستعداء الأكثريّة الساحقة من أصدقاء لبنان في الشرق والغرب إنطلاقًا من سياساته، وباستمطار العُقوبات والويلات على لبنان، مُشدّدًا من جديد على أنّه "آن الأوان لكي يتمّ وضع حدّ لهذه الإزدواجيّة". وبالتالي، يُمكن القول إنّ الرهان الذي برز في الأشهر الماضية، لجهة إمكان حُصول تقارب بين "القوّات" و"الحزب"، بوساطة من جانب "التيّار الوطني الحُرّ" قد سقط نهائيًا في المرحلة الراهنة، وقد تأجّل إلى أمد بعيد يتجاوز موعد الإنتخابات النيابيّة المُقبلة بأقلّ تقدير.

رابعًا: مُهاجمة مُحاولات بعض القوى السياسيّة تطبيع العلاقات مع سوريا من جديد، حيث قال جعجع إنّه "إذا إعتقد البعض أنّ مشروعه قد إنتصر في لبنان وسوريا وقُضي الأمر، فقد فاته أنّ مشروعه السياسي سبق له أن كان سائدًا ومُهيمنًا على لبنان وسوريا منذ العام 1990، ومع ذلك دحره اللبنانيّون في ​14 آذار​ 2005، وسندحرههذه المرّة أيضًا-ولوّ بعد حين"، مُتحدّثًا من جديد عن ساحة الشُهداء التي "لا تزال موجودة"، الأمر الذي يُشكّل مُحاولة إستنهاض لقوى "14 آذار" ولشعاراتها السابقة، ومُحاولة تلاقي جديدة مع إعتراضات "تيّار المُستقبل" المُتصاعدة ضُدّ التطبيع مع النظام السوري. كما طالب جعجع بإعادة "أسرانا ومفقودينا في السجون السوريّة وفي طليعتهم بطرس خوند" قبل مُحاولة إنجاز الإتفاقات على أنواعها مع النظام السوري، الأمر الذي يعني رفعًا لسقف المطالب، في مُحاولة لقطع الطريق على أيّ مُحاولات جدّية للتطبيع مع الرئيس بشّار الأسد.

خامسًا: مُهاجمة النظام السوري بعنف أيضًا، حيث رأى جعجع أنّ أيّ حل في سوريا لن يُكتب له النجاح إلا إذا جرى تنفيذ مُقررات مؤتمري جنيف الأوّل والثاني، مُعتبرًا أنّ النظام السوري لا يقلّ "داعشيّة" عن "داعش". وطالب بإلغاء "مُعاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق" التي ذكّر بأنّها تمّت في ظلّ الإحتلال السوري للبنان، و"المجلس الأعلى اللبناني-السوري" الذي وصفه بغير الدستوري، وبتسليم المحكومين قضائيًا في قضيّة تفجير مسجدي "التقوى" و"السلام" وعلى رأسهم علي المملوك، وبترسيم الحُدود بين لبنان وسوريا، إلخ. في تصعيد كبير من جانب رئيس "القوّات" ضُدّ النظام السوري، بعكس المُطالبات الداعية إلى التطبيع مع النظام السوري، وفي تحدّ لافت لأحاديث بعض القوى السياسيّة في لبنان عن إنتصار النظام السوري والمحور الذي دعمه، مع كل إرتدادات هذا الأمر على الداخل اللبناني.

سادسًا: حثّ جعجع على الإقتراع لصالح مُرشّحي "القوات"، واعدًا بتقديم مرشّحين للنيابة من "النوعية نفسها" التي تتمثّل بها "القوّات" في الوزارة، مُتعهّدًا بالوقوف في الصفوف الأماميّة للدفاع عن الدولة القويّة والمُجتمع الصالح، وقال: "لا تقترعوا للذين يتكلّمون ليل نهار ولا يفعلون شيئًا، بل للذين يتكلّمون قليلاً ويفعلون كثيرًا"، من دون أن يتناول في كلمته أيّ تحالفات سياسيّة مُحتملة، ومُكتفيًا بالحديث عن عناوين سياسيّة كبرى ستتبنّاها "القوّات" في ترشيحاتها، وستجعلها أقرب إلى تموضعاتها السياسيّة التي تمّت في العام 2009، منه إلى أيّ تحالفات جديدة مُحتملة.