انتهت مرحلة استعادة السيطرة على المدن في سوريا من تنظيم "داعش" الإرهابي، وبدأت معارك استرجاع الحقول النفطية على طول الخط الممتد من مدينة دير الزور الى معبر البوكمال-القائم، واذا كانت المعركة تأخذ بعداً استراتيجياً بوصول الجيش السوري الى أول معبر رسمي مع العراق، فإن البعد الاقتصادي لا يقل أهمية عنه، بحيث تتجمع معظم حقول النفط السورية في تلك المنطقة، وأقربها وأهمها حقل العمر، الذي هو محط أنظار الجيش السوري و"قوات سوريا الديمقراطية".
رغم الاتفاق والتنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا لمنع أي حادث بين الجانبين، فرض ضيق الجغرافيا واقتراب الجيش السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" من منابع النفط الرئيسية في دير الزور نفسه على الميدان، حيث أن السباق بين القوتين على النفط يأخذ الحرب الى منعطف جديد.
في دمشق، لا تغيب الأنظار عما يجري في العراق وتداعيات استفتاء اقليم كردستان العراق على الانفصال. الموقف السوري واضح وهو يكمن بالقبول، في الحد الأقصى، بإدارة ذاتية، وغير ذلك ستجر على الأكراد ويلات، وتجربة اقليم كردستان العراق حاضرة، اذ أن الدعم الأميركي سيتوقف عند حدود معينة، في حين أن العشائر العربية، المنضوية تحت راية قوات "سوريا الديمقراطية"، خطوطها مفتوحة مع دمشق، أما العلاقات التي تنسجها الوحدات الكردية، خارج اطار الخطوط الحمراء السورية، قد تقلب الطاولة عليها وتسقط النواة الثانية لدولة كردية، ولذلك لا زال الموقف السوري من تحركات "قسد" ومقاسمتها ورثة "داعش" يضعها في اطار الصراع تحت سقف واحد.
على هذا الصعيد، تتخذ معركة مدينة الميادين وحقل العمر بعداً مصيرياً لمسار المعركة المقبلة بين الجيش السوري و"قسد"، فالجيش، بعد سيطرته على المدينة، أصبح على بعد 80 كلم عن البوكمال، وفتحت أمامه الطريق للوصول الى المعبر والالتقاء بالقوات العراقية، بعد أن أفشلت القوات الأميركية سابقاً وصل سوريا بالعراق عبر معبر التنف، ومن ثم أجبرت القوات السورية وحلفاءها على التفتيش عن البديل الوحيد في ريف دير الزور، كما حاولت القوات الأميركية زج "قسد" في المعركة، وقدمت لها الدعم في السباق مع القوات السورية، لكن قوات "سوريا الديمقراطية" توقفت على بعد 110 كلم من المعبر بعد اعتراض تقدمها بغارات روسية.
ووفقاً للمعلومات، فان الجيش السوري وحلفاءه، من "حزب الله" والقوات المساندة، سارعوا خطواتهم للوصول الى المعبر، رغم الصعوبات التي يواجهونها مع حشر التنظيم الارهابي في مساحات ضيّقة، ومن المفترض تحقيق الانجاز الاهم في الحرب الدائرة قبل نهاية العام الجاري، بحال لم تظهر أي مفاجآت أميركية في اللحظات الأخيرة.
في الجانب الآخر، معركة لا تقل أهمية، هي معركة السيطرة على حقول النفط على طول الطريق الممتد من مدينة الميادين الى البوكمال، والتي تشكل أكثر من ثلثي الحقول في المنطقة، وهي لا تزال تحت سيطرة "داعش"، الذي يتحصن داخلها ويمنع الاقتراب منها في آخر ورقة يمكن أن يلعبها لإطالة عمره. وحتى الآن لا يبدو أن معركة الحقول وشيكة، رغم أن المسافة التي تبعد القوات السورية عن الحقل الأهم، "العمر"، هي 10 كلم فقط، في حين تلك التي تبعد "قسد" تبلغ نحو 30 كلم. ووفقاً للمعلومات فإن الجيش لن يسمح لـ"قسد" بالاقتراب من الحقل الذي كان ينتج 30 الف برميل يومياً، وكانت تديره شركة الفرات السورية، في حين كانت "قسد" قد سيطرت على معمل كونيكو، الذي كانت تشغله شركة توتال الفرنسية.
انطلاقاً من هذه المعطيات، لا يبدو أن هناك شيئاً محسوماً ضمن الاتفاق الروسي-الأميركي، حيث لا يزال الميدان هو عامل الفصل بين القوتين. قوات "سوريا الديمقراطية" والتحالف الدولي أخرجاا أنفسهما من معضلة الرقة، بعد أن أخرج عناصر "داعش" المحليين من المدينة، بينما لا يزال الأجانب منهم ينتظرون فتح ممرات لهم الى ريف دير الزور، بعد اغلاق الجيش السوري الطريق عليهم وقصف ارتالهم. في المقابل لا يزال الجيش السوري ينشط في غرب الفرات بينما معظم حقول النفط تقع في شرقه، ولم يتمكن حتى الآن قطع الطريق على "قسد" للتقدم جنوباً أو شرقاً.