أن لا يتغيّر الواقع السياسي أو على الاقل آلية التعاطي السياسي بين الأفرقاء اللبنانيين، قبل الإنهيار وبعده، قبل الإنفجار وبعده، يعني مما لا يدع مجالا للشكّ بأن مشكلة لبنان بنيويّة، تتعلق بطريقة عمل النظام السياسي، الذي أصبح بعيدا عن تطلّعات اللبنانيين. هذا النظام الذي اصبح معتادا على الحلول الخارجية، غير قادر على إيجاد حلّ واحد لما يُعانيه من أزمات.
تقريبا نفس الشروط التي كانت تُعرقل ولادة الحكومة الماضية قبل أن يتم تسمية حسان دياب لرئاستها، تعرقل ولادة الحكومة الجديدة، ولكن بشكل اقسى من قبل، خصوصا بعد أن بات صراع تيار المستقبل مع التيار الوطني الحر صراعا شخصيا بين رئيسي التيارين، فلا سعد الحريري يريد العودة الى رئاسة الحكومة بنفس شروط التسوية الرئاسية السابقة ولا جبران باسيل يرغب بعودة الحريري قبل فرض الشروط المناسبة له.
إن هذا الواقع الداخلي، لم يكن المعرقل الوحيد للمبادرة الفرنسيّة، حتى انه لم يكن المعرقل الأساسي، فبحسب مصادر سياسية مطّلعة على مسار المشاورات، ظهرت عقبات خارجية تعيق الاتفاق الداخلي على تسريع مسار تطبيق مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تمثّلت بالإرادة الاميركية.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "في الشكل أعلنت الولايات المتحدة الاميركية على لسان مساعد وزير خارجيتها دايفيد هيل أنها الى جانب المبادرة الفرنسية ولّحت الى عدم معارضتها حتى مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة، بشرط ان لا يهيمن احد على آخر فيها، وان يكون برنامجها إصلاحيا، ولكن في المضمون، لم تبذل الإدارة الاميركية أي جهد في إدخال المملكة العربية السعودية ضمن لائحة الدول الراعية للإتفاق، فأبقت الاخيرة على رفضها لأي حكومة يشارك فيها حزب الله، بغض النظر عن إسم رئيسها، الامر الذي تُرجم في لبنان موقفا رافضا للحريري ولحكومة الوحدة أو حكومة المهمة الوطنية، من قبل الحزب التقدمي الإشتراكي، وحزب القوات اللبنانية".
وتشير المصادر الى أن الأميركي فرمل سعيه لأنه يعوّل على الملف اللبناني لهدفين أساسيين بالنسبة إليه، الاول هو ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، فهو لا يرى فائدة من تطبيق التسوية في لبنان قبل رسم معالم نهاية هذا الملف الاساسي بالنسبة إليه، والثاني هو عدم حماسة الطرف الإيراني للدخول في التسوية اليوم، مشددة على أن الملف اللبناني يدخل ضمن لائحة الملفات المهمة في المنطقة، وبالتالي لا يجب التفريط به دون فائدة على طاولة مفاوضات، لا زالت إيران ترفض إنهاء العمل عليها قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية.
إن هذا الموقف الاميركي الذي انعكس إقليميا على مواقف الدول العربية وعلى رأسها السعودية، وداخليا على موقف الأحزاب الحليفة للمملكة، عرقل تطبيق المبادرة الفرنسية، وهو يعني بحسب المصادر أن لا توافق دولي بعد على مسار الحل في لبنان، ما يعني ايضا أن أي حكومة ستُشكل اليوم في لبنان، على شاكلة حكومة حسان دياب لن تحقّق أي نتيجة تُذكر، لانها ستتعرض لحصار دولي تجعل رئيسها عاجزا عن التحرك خارج لبنان.
وترى المصادر أن الحديث عن أسماء مرشحة لترؤس الحكومة يبقى في سياق الضغوط السياسية الداخلية، والتلويح بتشكيل حكومة فريق واحد، ولو كانت حكومة إصلاحيّة بامتياز لم يعد يثير قلق الغرب، بعد أن اكتشف أن لعبة التوازنات في لبنان تمنع أي طرف من الذهاب بعيدا في سياسات قد تُحسب على محور دون آخر.
إن هذه المعطيات تؤكد أنّ المهم في الملف الحكومي اللبناني ليس إسم رئيسها، ولا شكل الحكومة، ولا برنامجها، بل التوافق الدولي حولها، وبانتظار هذا التوافق قد يكون الأفضل "تصريف" الأعمال والوقت بطريقة مفيدة.