لفت رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، في كلمة تطرّق فيها إلى نتائج الانتخابات النيابية والأوضاع السّياسيّة الرّاهنة، إلى أنّ "الجميع مدعو إلى الاحتكام لخيارات النّاس الّذين قالوا كلمتهم، أقلّه في الجنوب والبقاع، حيث حوّل أهلنا هذا الاستحقاق إلى استفتاء على الثّوابت الوطنيّة أمام هيئات رقابيّة محليّة وإقليميّة وأوروبيّة وأمميّة وسفراء فوق العادة، حتّى كدنا نعتقد ومعنا الغالبيّة العظمى من اللّبنانيّين في هذه الانتخابات الّتي هي استحقاق دستوري محلّي في الخامس عشر من أيّار، أنّهم سينتخبون أعضاء لكلّ برلمانات العالم بكلّ قارّاته".
وشدّد على أنّ "لبنان أعرق ديمقراطيّة في التّاريخ، وبيروت أوّل مدرسة للحقوق في العالم، لكن للأسف البعض في الدّاخل تستهويه فكرة العيش في عقدة أنّه لم يبلغ بعد سنّ الرّشد الوطني، ويدعي وصلًا بمفاهيم الاستقلال والسّيادة، وهو في أدائه وسلوكه وخطابه السّياسي غارق حتّى النّخاع في براثن العبوديّة والتّبعيّة لمصالح الخارج على حساب مصالح لبنان واللّبنانيّين، في كلّ ما يصنع حياة الدّولة وأدوارها وحياة اللّبنانيّين، وكلّ ما يتّصل بأمنهم المعيشي والاقتصادي ومستقبلهم".
ودعا برّي إلى أن "تكون نتائج الانتخابات محطّةً تلقي فيها القوى كافّة الّتي تنافست في هذا الاستحقاق، الخطاب السّياسي الانتخابي المتوتّر والتّحريضي جانبًا، ولتهدأ كلّ الرّؤوس الحامية، وليقتنع الجميع بمعادلة لا مناص منها، بأنّنا كلبنانيّين أبناء وطن واحد قدرنا أن نعيش سويًّا؛
جرحنا واحد".
وركّز على أنّ "الأزمات الّتي تعصف بنا هي عابرة للطّوائف. ما من أحد أو من طائفة تريد أن تلغي طائفةً أخرى"، مبيّنًا أنّ "مقدّمة الدستور في لبنان واضحة، وهي في صلب ميثاق حركتنا وطن نهائي لجميع أبنائه. نعم، فلتكن نتائج يوم الخامس عشر من أيار يومًا لبنانيًّا آخرًا، يؤكّد فيها الجميع عن صدق نواياهم واستعدادهم وانفتاحهم لحوار حول العناوين التّالية:
-أوّلًا: نبذ خطاب الكراهيّة وتصنيف المواطنين.
-ثانيًا: دعوة مفتوحة لكلّ القوى السّياسيّة والكتل البرلمانيّة للبدء فورًا، وبعد الانتهاء من إنجاز المجلس النيابي الجديد لمطبخه التّشريعي رئيسًا وهيئة مكتب ولجان، بحوار جدّي بالشّراكة مع قوى المجتمع المدني المخلصة والجادّة كافّة، من أجل دفن هذا القانون المسيء للشّراكة والّذي يمثّل وصفةً سحريّةً لتكريس المحاصصة وتعميق الطّائفيّة والمذهبيّة.
آن الأوان لقانون انتخابي خارج القيد الطائفي وخفض سنّ الاقتراع لـ18 سنة، و"كوتا" نسائيّة وإنشاء مجلس للشيوخ تمثَّل فيه الطّوائف بعدالة.
-ثالثًا: إقرار خطّة للتعافي المالي والاقتصادي تكرّس حقوق المودعين كاملةً، دون أيّ مساس بها.
-رابعًا: إقرار قانون استقلاليّة القضاء.
-خامسًا: الحوار الجدّي ودون تلكّؤ أو إبطاء، للتّأسيس من أجل الانتقال بلبنان من دولة المحاصصة الطّائفيّة إلى الدّولة المدنيّة المؤمنة بأنّ الطّوائف نعمة والطّائفيّة نقمة.
-سادسًا: إقرار اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة بالصّيغة الّتي وردت في الطّائف والدّستور.
-سابعًا: إقرار كلّ القوانين الّتي من شأنها وضع حدّ للفساد والهدر وملاحقة مرتكبيها في أيّ موقع كانوا، لا بل تنفيذ القوانين الّتي صدرت بهذا الصّدد.
-ثامنًا: إنجاز الاستحقاقات الدّستوريّة كافّة في موعدها، وقطع الطّريق على أيّ محاولة لإغراق البلد أو أيّ سلطة في الفراغ".
كما أشار بري إلى أنّ "في السّياسة العامّة ومن روحيّة ما أنتجه هذا الاستحقاق المهم في تاريخ لبنان، نؤكّد باسم الثّنائي مجدّدًا ودائمًا، أنّ حدود لبنان وثرواته في البرّ والبحر هي استحقاق سيادي لا نقبل التّفريط بأيّ ذرة من هذا الحقّ، الّذي هو حقّ غير قابل للتّنازل أو المقايضة أو المساومة أو التّفريط به، تحت أيّ ظرف من الظّروف؛ فلبنان يملك كلّ عناوين القوّة الّتي تمكنه من حفظ هذه الحقوق".
وتوجّه بالشّكر إلى "الّذين ما زادهم التّهديد والتّهويل والتّطاول إلّا يقينًا وتصديقًا بأنّ الله حقّ، وأنّ الحق يعلو ولا يعلى عليه. إلى الّذين إذا وعدوا وفوا، وإذا قالوا صدقوا وما بدلوا تبديلًا، إلى الّذين لا يغويهم النّصر ولم يكسر إرادتهم احتلال أو خوف أو افتراء أو تدليس، إلى الهامات الّتي لا تنحني ولا تركع إلّا في صلاة، والسّواعد الّتي تبني وتحمي ولا ترتفع إلّا للدّعاء، إلى قرى جبل الرّيحان المسيّجة بالوحدة والانفتاح، إلى الأهل في صيدا وقرى ساحلها وشرقها والزّهراني وسيدة المنطرة في مغدوشة الممتلئة قلوبهم بأنوار المحبّة، والأوفياء في صور عبد الحسين شرف الدين وصدرها الإمام موسى وقسمه المبين وقراها المعلقة في السّماء، وبنت جبيل وقرى قضائها، وبيادر العزّ في صفّ الهوى وتلّة مسعود والطّيبة ورب ثلاثين، وإلى كلّ قرية وبلدة في النبطيّة وساحة عاشورائها، والخيام ومرجعيون الكلمة والحرف واللّون والموعظة الحسنة، وقرى العرقوب ومشغرة وأقمارها في البقاع الغربي وراشيا، والسّهل الممتنع بقاع الصّدق وفرسان الشموس السّاطعة، وإلى الجبل الأشم، وبيروت أمّ الشّرائع العاصمة الّتي تعصم الجميع عن الخطأ والخطيئة، والشمال جهة الجهات؛ وإلى كلّ لبناني اقترع بالأمس للوائح الأمل والوفاء ومنحها صوتًا مدوّيًا ونصرًا حاسمًا".