خرقن صمت الخوف وأتين باكرًا إلى القبر. مزَّقن سكون الموت وأعلَنَّ القيامة للرسل في فجر اليوم الجديد. كان الحرَّاس هناك والحجر كبيرًا إلَّا أنَّهن عبرن إلى ضفَّة الحياة بشجاعة كبيرة في تسليم إلهيٍّ كلِّيٍّ غير آبهات بالجند الرومانيِّ، وغير يائسات من ضخامة الحجر على باب القبر. كان همُّهنَّ الوحيد اللقاء بالسيِّد. إنَّهنَّ النسوة حاملات الطيب، على رأسهنَّ والدة الإله حوَّاء الجديدة.

مجيئهنَّ أعلنّ اكتمال العهد الجديد وإتمام مرتجى العهد القديم.

حوَّاء القديمة طُرِدَت من الفردوس مع آدم، وَأَقَامَ الله نصب الكروبيم وَلَهِيبَ سَيْفٍ يحرس طريق الحياة، أمّا أمام حوَّاء الجديدة مع فرقتها يعلن لهنَّ الملائكة أنَّ أبواب السموات فتحها الربُّ بقيامته من بين الأموات، فتحها لكلِّ تائب، وتحقَّق بالتالي الوعد الخلاصيُّ الأوَّل الَّذي أعطاه الله لحوَّاء الأولى بأنَّه سيأتي من نسلها المخلِّص.

فقد أتت النسوة ليطيِّبن يسوع فطيَّبَهُنَّ هو بطيب الروح القدس، وبمعموديَّة الخلق الجديد.

فإذا كانت إقامة لعازر هي سفر التكوين الجديد حيث أعاد الربُّ يسوع جبلِ لعازر بعد أربعة أيَّام من موته، فقبر المسيح الفارغ هو سفر الخروج الجديد الَّذي فيه يعبر كلُّ إنسان بحر الموت إلى أورشليم السماويَّة، ويرتِّل نشيد الظفر كما رتَّل موسى النبيُّ والشعب قديمًا بعد عبورهما البحر الأحمر، ونحتفل بالتالي بغرق إبليس وجنوده ومركباته في بحر القيامة المجيدة.

شجاعة حاملات الطيب هي ثمرة عشقهنَّ للربِّ. هنَّ كثيرات، والأناجيل تذكر بعضًا منهنَّ، وأشهرهنَّ القدِّيسة مريم المجدليَّة الَّتي لم تترك الربَّ في لحظات الصلب وأسرعت إلى القبر والتقت بالمسيح. وأكثر من ذلك ذهبت إلى روما وتحوَّل لون بيضة بيدها من الأبيض إلى الأحمر وهي تبشِّر القيصر بقيامة الربِّ. أعطتها الكنيسة لقب المعادلة للرسل لشجاعتها في حملها البشارة إلى أعلى المناصب.

لحاملات الطيب مكانة كبيرة في الإيمان المسيحيِّ، والأحد الثاني بعد الفصح مكرَّس لهما مع يوسف الرامي ونيقوديموس الَّذي أتى عند يسوع ليلًا، وكلاهما شاركا في دفنه.

قِطع الصلاة في هذا الأحد مهيبة وتحمل معاني خلاصيَّة كبيرة، تخبرنا كيف ينتقل الإنسان من حالة الحزن إلى حالة البهاء، مثال على ذلك: «إنَّ النسوة كنَّ يلتمسن يسوع كمائت وهنَّ باكيات، قد سجدن له إلهًا حيًّا وهنَّ فرحات».

هذه حالة كلِّ من يقترب من الربِّ ويفتح قلبه لنور القيامة، الَّذي يطرد منه كلُّ خوف مهما بلغت حدَّة الصعاب.

الفنُّ الكنسيُّ له حصَّته في ترجمة شجاعة حاملات الطيب، فنجد في المتحف البريطانيِّ، نقشًا على تابوت من بدايات القرن الخامس الميلاديِّ يظهر والدة الإله والقدِّيسة المريم المجدليَّة جالستين في حزن أمام القبر الفارغ، وحارسين رومانيَّين يغطَّان في النوم. وعلى باب القبر نقش لإقامة لعازر من الموت. صحيح كانتا حزينتين ولكنَّهما تابعتا مسيرتهما فنالتا فرح القيامة.

كذلك يوجد نقش عاجيٌّ[1] من بدايات القرن الخامس يظهر ثلاث نساء يتَّقدن إلى القبر الفارغ وملاك جالس يكلِّمُهنَّ ويعلن لهنَّ فرح القيامة المجيدة.

كذلك يوجد أيقونة رائعة من القرن السابع الميلاديِّ محفوظة في دير القدِّيسة كاترينا بمصر، نشاهد فيها والدة الإله والقدِّيسة مريم المجدليَّة تسجدان للربِّ يسوع القائم من بين الأموات.

لا يستغربنَّ أحد إن قلنا إنَّ أحد حاملات الطيب هو عيد المرأة بامتياز، أوَّلًا نذكر في القراءات صباح هذا الأحد كيف أنَّ طبيعتهنَّ الضعيفة أصبحت مثالًا للشجاعة. ثانيًا، تذكر حادثة السقوط في سفر التكوين أنَّ حوَّاء سمعت لإبليس الَّذي وعدها بعدم الموت بمخالفة وصيَّة الربِّ، فسقطت وأسقطت آدم معها. فالخطيئة تميت من لا يتوب عنها لا محالة. بينما في العهد الجديد سمعت النسوة من الملاك بشارة الحياة الَّتي نقلْنها للتلاميذ وإلى العالم بأسره.

وها هنَّ يكلِّمن كلَّ واحد منَّا قائلين: اصرخوا معنا المسيح قام ولا ميت في القبر، وطيِّبوا نفوسكم بطيب القيامة المجيدة لأنَّ يسوع هو القيامة والحياة.

إلى الربِّ نطلب.

[1]. One of the earliest depictions is a Roman ivory relief plate dating from about 400 (kept in the Bavarian National Museum in Munich) Bamberg Avori