لا تزال تردّدات سقوط نظام الأسد في سوريا، تتصدّر المشهد السّياسي. في هذا السياق، أشار مسؤول رفيع لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "بمعزل عمّا إذا كان الانقلاب في سوريا قد حصل من جانب واحد، او من تقاطع مصالح دول المنطقة، فإننا امام تحول كبير، حيث سقط النظام السوري وانطوت صفحة حكم لأكثر من 50 عاماً، وبتنا أمام مشهد مجهول لناحية ما ينطوي عليه من مخاطر وتعقيدات".

واعتبر أنّ "ثمة رابحاً وحيداً من كل ما جرى في سوريا أو ما قد يجري من حولها، هو إسرائيل (ومن خلفها بالتأكيد الولايات المتحدة الاميركية)، التي، أي إسرائيل، سارعت اعتباراً من اللحظة الاولى لنجاح الانقلاب، إلى فرض واقع احتلالي جديد في سوريا، عبر التوسّع والتوغل نحو 20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية في الجولان وجبل الشيخ، وقد تتوغل أكثر لأنّ الفرصة مؤاتية لها، وطيرانها الحربي يتحرّك بحرّية تامة في الأجواء السورية؛ ويشن ضربات إنهاكية لقدرات الجيش السوري".

ورأى المسؤول أنّ "كل الآخرين، من بينهم الشركاء المباشرون او غير المباشرين في الانقلاب، خاسرون، وهذا ما ستؤكّده المرحلة المقبلة. فيما سوريا ليس ما يضمن بقاءها كدولة، والمؤشرات تشي بوضعها في وقت ما قد لا يكون بعيداً على مائدة التقسيم، ومقدمة ذلك، تكرار النموذج الليبي".

وأوضح أنّ "الاحتفالات التي تقيمها قطاعات المعارضة المختلفة في سوريا، سبق أن أقيمت احتفالات مماثلة لها في ليبيا. أما النتيجة فهي أنّه بعد ما يزيد عن 14 سنة، لم تعد ليبيا دولة، بل أصبحت كياناً فوضوياً مفككاً ومتناحراً بلا مقدرات او قدرات، لا شكل لدولة فيه ولا حتى لمؤسسات، وأشبه ما يكون بدويلات داخل دولة؛ لكل دويلة فصيل يحكمها".

كما ركّز على أنّ "الانقلاب في سوريا يعزز المخاوف من أن يكون العراق في عين العاصفة في مرحلة لاحقة"، معبّرا عن خشية كبرى من أن "تكون الخطوة التالية بعد سوريا هي غزة والضفة الغربية، حيث انّ ما جرى في سوريا قد تتغطى به إسرائيل لاستكمال إجهازها على قطاع غزة، وإطباقها الكامل على الضفة الغربية ودفع أهلها في اتجاه الاردن".

ماذا عن لبنان؟

من جهته، أكّد مرجع كبير لـ"الجمهورية"، أنّ "موقعنا الجغرافي يجعلنا نتأثر بكل ما يحدث من حولنا، وبالتالي لسنا في منأى عمّا حدث في سوريا، ولكن دعونا لا نتسرّع في التحليل، ولا ندخل في تقديرات مبالغ فيها للتداعيات، فلنصبر إلى أن يكتمل المشهد في سوريا ويرسو على الصورة التي سيرسو عليها".

يقظة أمنية

وشدّد مرجع أمني، في تصريح لـ"الجمهورية"، على أنّ "التطورات في سوريا فرضت عبئاً ضاغطاً بقوة على لبنان، إن على مستوى الداخل، حيث سارعت الاجهزة الأمنيّة والعسكرية إلى رفع درجة اليقظة والإستعداد في هذه المرحلة لمواجهة أيّ تحرّكات مشبوهة لأفراد او خلايا ارهابية تابعة لجبهة النصرة او "داعش"، وخصوصاً في مناطق انتشار النازحين السوريين؛ أو على مستوى الحدود".

وبيّن أنّه "اتُخذت اجراءات بالغة الشدّة على المعابر الشرعية، لضبط خروج او قدوم السوريين إلى لبنان، فيما اتخذت قيادة الجيش بدورها سلسلة من التدابير لحماية الحدود وإقفال المعابر غير الشرعية، وعززت انتشار الوحدات العسكرية لردع أي محاولة لتسلّل المجموعات الارهابية في اتجاه لبنان، ووحدات الجيش على جهوزية كاملة للتصدّي لهؤلاء".

وطمأن المرجع الأمني إلى انّ "كل الأجهزة الامنية والعسكرية مستنفرة في وجه أي طارئ، ومع الإجراءات المشدّدة التي يتمّ اتخاذها من قبل مختلف الاجهزة، يمكن التأكيد بأنّ الوضع تحت السيطرة، والأمن ممسوك بالكامل ولا شيء يدعو الى القلق".

فرصة للحزب

في موازاة ذلك، لفت مصدر قيادي معارض لـ"الجمهورية"، إلى أنّ "على "حزب الله" ان يتعظ اولاً من العدوان الاسرائيلي ونتائجه الكارثية على اللبنانيين، ومن التطورات الإيجابية التي اطاحت ببشار الاسد وعصابات النظام. وامام ما جرى، يجب على الحزب ان يعتبر انّه امام فرصة لأن يخرج من كونه خادماً لمصالح ايران، ويلبنن توجّهاته. وخصوصاً انّ المسار الذي انتهجه دلّت الوقائع، ولاسيما في فترة العدوان الاسرائيلي، على انّه مسار انتحاري، ليس له فقط بل للبلد بشكل عام".

واعتبر أنّ "الظروف اختلفت عمّا كانت عليه، و"حزب الله" لم يعد بالصورة التي كنّا نعرفه بها قبل اشهر، فقوّته التي لطالما هدّد فيها، كانت وهمية خلال العدوان، بل أظهر ضعفاً كبيراً في مواجهة اسرائيل، وإنكار الحزب لهذه الحقيقة لا يغيّر فيها؛ وجميعنا نلاحظ الصرخات الاحتجاجية عليه التي تصدر بشكل كثيف من داخل بيئته".

وأشار المصدر إلى "أنّنا نتوقع كل شيء من "حزب الله"، وفي مطلق الاحوال فإنّ كل قوى المعارضة مجمعة على مواجهة أيّ محاولة من قبل الحزب لفرض إرادته وتوجّهاته والتعويض عن خسارته في الحرب، بمكاسب سياسية، وخصوصاً في الملف الرئاسي.

الوسطيون قلقون

بدورها، ركّزت شخصية قيادية وسطية لـ"الجمهورية"، على أنّ "سقوط الأسد كان يجب ان يحصل في العام 2011، ولكن الوضع في ما خصّ سوريا لا يطمئن، حيث أخشى من تفتيتها، ومن تداعيات خطيرة لهذا التفتيت على لبنان". وحذّر من "إرباكات داخلية"، قائلًا: "الاستفزازات التي تنطلق من هنا او هناك من شأنها أن تحرّك الوضع الداخلي سريعاً نحو فتنة خطيرة، وهنا تقع مسؤولية القيادات السياسية في ضبط جمهورها. فالاستفزاز يجرّ الاستفزاز والفعل يجرّ ردّ الفعل، وبالتالي تفلت الامور. وهنا أحيل المسؤولية على كل الاجهزة الامنية والعسكرية لضبط الأمن ومنع تفلته".

وأثنى على "إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنّ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل قائمة في موعدها"، مبيّنًا "أنّنا من الأساس أيّدنا دعوات بري الى انتخابات رئاسية بالتوافق، وهو ما نؤكّد عليه من جديد، ولكن اتمنى الّا يحصل ما اخشى منه، بأن يعتقد بعض الأفرقاء بأنّ في مقدورهم أن يستقووا بالمتغيّرات في سوريا ويستثمروا عليها، ويحاولوا من جديد رفع سقف الشروط وطرح مواصفات خلافية خارج اطار التوافق، فهذا الأمر لا أقول فقط انّه يؤثر سلباً على جلسة 9 كانون إلى حدّ تعطيلها؛ بل لا يخدم سوى تعطيل إجراء الانتخابات بصورة نهائية".

عين التينة: عقل جماعي

في السياق نفسه، اكّدت مصادر عين التينة لـ"الجمهورية"، "اننا امام العاصفة التي تضرب المنطقة، لا مفرّ من ان نقف في لبنان على ارض صلبة محصنة بالقدر الاعلى في التوافق الداخلي فبالوحدة الداخلية، التي هي اولى الاولويات كما يقول الرئيس بري، نتمكن من الثبات وتحصين لبنان وننجو من العاصفة

وحذّرت من المخاطر الكبرى التي تتجلّى في هذه المرحلة"، مشدّدةً على أنّ "ما نحتاجه اليوم هو عقل جماعي، والتخلّي عن العنتريات والمزايدات والرهانات، فالمرحلة خطيرة جدًا، وإن لم نتدارك انفسنا وبلدنا سقطنا، وسقط البلد. وتداركاً لكل المخاطر والمنزلقات لم يبق لنا رهان سوى على أنفسنا ومصلحة بلدنا ووجودنا كلبنانيين".

المعارضة السورية والنازحون ولبنان

على صعيد متّصل، علمت صحيفة "الأخبار" أن "قيادات من المعارضة السورية كانت تتردد إلى بيروت في السنوات الأخيرة، وأجرت اتصالات استطلاعية بهدف التثبّت من عدم وجود أي "إشارات أمنية" بحقها، بعدما تبين لهذه القيادات أن الأمن العام اللبناني كان ينوي إبعاد بعضها إلى دمشق لعدم حيازتها أوراقاً شرعية، لكنّ ضغوطاً سياسية أدّت إلى تأمين سفرها عبر مطار بيروت، ولم يعد بإمكانها العودة إلى العاصمة اللبنانية".

وكشفت مصادر الصحيفة، أنّ "الأمن العام اللبناني أوضح لجهات خارجية أنه لم يكن يتعامل مع هذه الشخصيات انطلاقاً من حسابات تتعلّق بالوضع الداخلي السوري، لكنه كان ينفّذ قرارات بعدم السماح لأحد بالبقاء في الأراضي اللبنانية من دون تسوية أوضاعه القانونية".