لم تنسَ اللاجئة الفلسطينية الثمانينية مريم صباح من مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، تفاصيل حياة الطفولة التي عاشتها في قرية حمامة التي تقع في الجنوب الغربي من ساحل فلسطين المحتلة، وذكريات قريتها التي اتسمت بأراضيها الزراعية الخضراء ككروم العنب والليمون والمشمش، وحياة الفلسطينيين التي تميزت بقوة العلاقات الاجتماعية آنذاك، لكنها لم تستطع حبس دموعها عندما بدأت تسرد معاناة التهجير من قريتها لحظة هجم عليها الاسرائيليون وهجروا جميع سكانها، واستولوا عليها بالقوة إبان النكبة.
ذكريات الألم والفرح
وتستذكر الحاجة أم محمد صباح (83 عاماً) أدق تفاصيل منزل عائلتها الذي دمره الاحتلال، وزارته عام 1967 ولم تجد معالمه على الاطلاق، بعد أن حوله الاحتلال لكومة من الحجار والتراب.
وتقول اللاجئة صباح في حديثها مع "النشرة" وهي التي لا زالت تحتفظ ببعض وثائق أرضها: "الحياة هناك كانت أفضل بكثير من الآن، وكنا ننقل الماء من البئر الوحيد في القرية على أكتافنا، ونحن في الطريق كنا نشاهد كروم العنب والتين والمشمش ورائحته الجميلة التي تفوح من الأشجار والزهور".
وتتابع: "عندما استولت العصابات الصهيونية على قريتنا قال لي أبي 20 يوم وسنعود إلى حمامة، فقلت له لا أعتقد ذلك فالصهاينة احتلوا كل شبر من القرية، ولا أعتقد أنه باستطاعتنا العودة إليها".
وجلست الحاجة "أم محمد" بين أبنائها وأحفادها الذين حفظوا كل شيء عن قريتهم الأصلية، دون أن يشاهدوها، بعد أن أخبرتهم عن أحاديث القرية ولحظات الألم والفرح والسعادة التي حرموا منها الآن.
على أمل العودة
وتضيف: "حمامة كانت جميلة وكنا نأكل من خيرات الأرض، ثلاثة أشهر ونحن نأكل من العنب والأسماك التي نصطادها يومياً ونجلس على شاطئ البحر، ونذهب إلى يافا على الجمال نبيعها العنب والمشمش، وفي الأفراح كانت كل القرية تجتمع ونعيش أجواء الفرح والسعادة بكافة تفاصيلها".
وخرجت الحاجة "أم محمد" وعائلتها دون أن تأخذ شيئًا من مقتنياتها على أمل العودة الى قريتها حمامة، هي وآلاف الفلسطينيين الذين توجهوا إلى قطاع غزة وآخرين لمصر والأردن عبر البر والبحر، وعاشوا مرارة المسافات الطويلة مشياً على الأقدام، بعد أن ذاقوا ألم الهجرة وسلب الأرض.
وتمنت اللاجئة الثمانينية أن تعود إلى قريتها التي ولدت فيها، وتقول: "يا ريت نرجع على البلاد نشوفها لو يوم واحد ونموت، كم أنا أشتاق لقريتي ولحياة طفولتي هناك".
مرارة التهجير والتشريد
ويصف الحاج محمد الشنا من جهته تفاصيل النكبة والتهجير عام 1948، بعد أن استولى الاسرائيليون على ثكنة درويش في قضاء يافا، ويستذكر هروبهم من شدة القصف العشوائي تجاههم، والاستيلاء على منازلهم ومقتنياتهم التي لم يأخذوا شيئاً منها.
وفي حديث مع "النشرة" يستذكر اللاجئ الفلسطيني "أبو نعيم" (75 عاماً) الذي يقطن في مخيم خان يونس الغربي، مرارة التشرد والقهر عندما خرجوا من يافا متجهين إلى غزة مشياً على الأقدام، إذ يقول: "مشينا مسافات طويلة جداً ومن شدة التعب كنا نشعر أن الطريق تطول أكثر وأكثر، وكنا أطفالا ونساء ورجالا وعندما نأخذ قسطاً من الراحة لم يكن آنذاك إلا بعض الخيام التي كنا نصنعها من بعض الأقمشة البالية".
ويقول: "65 عاماً ولحظات التهجير حاضرة أمام عيني ولا أستطيع أن أنسى منها شيئاً، القصف والتشرد وانقطاع الماء وبحثنا عن الطعام، كل شيء أحفظه وأعرفه جيداً".
ورغم المأساة التي عاشها اللاجئ "أبو نعيم" إلا أنه كرر مراراً عدم التفريط بأرضه وذرة تراب من فلسطين المحتلة، وعبر عن أمله في العودة إلى قريته التي هجر منها".